(١١٩٨) سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن قوله : (لِمُسْتَقَرٍّ لَها) قال : «مستقرّها تحت العرش». وقال : «إنّها تذهب حتى تسجد بين يدي ربّها ، فتستأذن في الطّلوع ، فيؤذن لها».
والثاني : أنّ مستقرّها مغربها لا تجاوزه ولا تقصر عنه ، قاله مجاهد. والثالث : لوقت واحد لا تعدوه ، قاله قتادة. وقال مقاتل : لوقت لها إلى يوم القيامة. والرابع : تسير في منازلها حتى تنتهي إلى مستقرّها الذي لا تجاوزه ، ثم ترجع إلى أوّل منازلها ، قاله ابن السّائب. وقال ابن قتيبة : إلى مستقرّ لها ، ومستقرّها : أقصى منازلها في الغروب ، وذلك لأنها لا تزال تتقدّم إلى أقصى مغاربها ثم ترجع. وقرأ ابن مسعود وعكرمة وعليّ بن الحسين والشّيزري عن الكسائيّ «لا مستقرّ لها» والمعنى أنها تجري أبدا لا تثبت في مكان واحد. قوله تعالى : (ذلِكَ) الذي ذكر من أمر الليل والنهار والشمس والقمر (تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ) في ملكه (الْعَلِيمِ) بما يقدّر.
قوله تعالى : (وَالْقَمَرَ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : «والقمر» بالرّفع. وقرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ : «والقمر» بالنّصب. قال الزّجّاج : من قرأ بالنّصب ، فالمعنى : وقدّرنا القمر قدّرناه منازل ، ومن قرأ بالرفع ، فالمعنى : وآية لهم القمر قدّرناه ، ويجوز أن يكون على الابتداء ، و «قدّرناه» الخبر. قال المفسّرون : ومنازل القمر ثمانية وعشرون منزلا ينزلها من أوّل الشّهر إلى آخره ، وقد سمّيناها في سورة يونس (١) ، فإذا صار إلى آخر منازله ، دقّ فعاد كالعرجون ، وهو عود العذق الذي تركته الشّماريخ (٢) ، فإذا جفّ وقدم يشبه الهلال. قال ابن قتيبة : و «القديم» ها هنا : الذي قد أتى عليه حول ، شبّه القمر آخر ليلة يطلع به. قال الزّجّاج : وتقدير «عرجون» : فعلون ، من الانعراج. وقرأ أبو مجلز ، وأبو رجاء ، والضّحّاك ، وعاصم الجحدريّ ، وابن السّميفع : «كالعرجون» ، بكسر العين.
قوله تعالى : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) فيه ثلاثة أقوال (٣) : أحدها : أنهما إذا اجتمعا في السماء ، كان أحدهما بين يدي الآخر ، فلا يشتركان في المنازل ، قاله ابن عباس. والثاني : لا يشبه ضوء أحدهما ضوء الآخر ، قاله مجاهد. والثالث : لا يجتمع ضوء أحدهما مع الآخر ، فإذا جاء سلطان أحدهما ذهب سلطان الآخر ، قاله قتادة ؛ فيكون وجه الحكمة في ذلك أنه لو اتّصل الضوء ، لم يعرف
____________________________________
(١١٩٨) صحيح. أخرجه البخاري ٤٨٠٣ و ٧٤٣٣ ومسلم ١٥٩ ح ٢٥١ وأحمد ٥ / ١٥٨ وابن حبان ٦١٥٢ والواحدي في «الوسيط» ٣ / ٥١٤ من طرق عن وكيع به عن أبي ذر مرفوعا.
ـ وأخرجه الطحاوي في «المشكل» ٢٨١ من طريق أبي معاوية عن الأعمش به.
__________________
(١) يونس : ٥.
(٢) في «اللسان» : الشمروخ : غصن دقيق رخص ينبت في أعلى الغصن الغليظ في سنته رخصا.
(٣) قال الطبري رحمهالله في «تفسيره» ١٠ / ٤٤٢ : يقول تعالى ذكره : لا الشمس يصلح لها إدراك القمر فيذهب ضوءها بضوئه فتكون الأوقات كلها نهارا لا ليل فيها ، (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) يقول تعالى ذكره : ولا الليل بفائت النهار حتى تذهب ظلمته بضيائه فتكون الأوقات كلها ليلا اه.
وقال ابن كثير رحمهالله : يعني لكل منهما سلطانا ، فلا ينبغي للشمس أن تطلع بالليل ولا ينبغي إذا كان الليل أن يكون ليل آخر حتى يكون النهار ، فسلطان الشمس بالنهار ، وسلطان القمر بالليل. وأنه لا فترة بين الليل والنهار بل كل منهما يعقب الآخر بلا مهلة ولا تراخ ، لأنهما سخران دائبين يتطالبان طلبا حثيثا.