الزّجّاج : أي : ذات لذّة. (لا فِيها غَوْلٌ) فيه سبعة أقوال : أحدها : ليس فيها صداع ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثاني : ليس فيها وجع بطن ، رواه العوفيّ عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد وابن زيد. والثالث : ليس فيها وجع ولا صداع رأس ، قاله قتادة. والرابع : ليس فيها أذى ولا مكروه ، قاله سعيد بن جبير. والخامس : لا تغتال عقولهم ، قاله السّدّيّ. وقال الزّجّاج : لا تغتال عقولهم فتذهب بها ولا يصيبهم منها وجع. والسادس : ليس فيها إثم ، حكاه ابن جرير. والسابع : ليس فيها شيء من هذه الآفات ، لأنّ كلّ من ناله شيء من هذه الآفات قيل : قد غالته غول ، فالصواب أن يكون نفي الغول عنها يعمّ جميع هذه الأشياء ، هذا اختيار ابن جرير. قوله تعالى : (وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) قرأ حمزة ، والكسائيّ : بكسر الزاي ها هنا وفي الواقعة ، وفتح عاصم الزاي ها هنا ، وكسرها في الواقعة (١). وقرأ ابن كثير ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، بفتح الزاي في السّورتين ، قال الفرّاء : فمن فتح ، فالمعنى : لا تذهب عقولهم بشربها. يقال للسّكران : نزيف ومنزوف ؛ ومن كسر ، ففيه وجهان : أحدهما : لا ينفدون شرابهم ، أي : هو دائم أبدا. والثاني : لا يسكرون ، قال الشاعر :
لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم |
|
لبئس النّدامى كنتم آل أبجرا (٢) |
قوله تعالى : (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ) فيه قولان : أحدهما : أنهنّ نساء قد قصرن طرفهنّ على أزواجهنّ فلا ينظرن إلى غيرهم. وأصل القصر : الحبس ، قال ابن زيد : إنّ المرأة منهنّ لتقول لزوجها : وعزّة ربّي ما أرى في الجنّة شيئا أحسن منك ، فالحمد لله الذي جعلني زوجك وجعلك زوجي. والثاني : أنهنّ قد قصرن طرف الأزواج عن غيرهنّ ، لكمال حسنهنّ ، سمعته من الشيخ أبي محمّد بن الخشّاب النّحوي.
وفي العين ثلاثة أقوال : أحدها : حسان العيون ، قاله مجاهد. والثاني : عظام الأعين ، قاله السّدّيّ. وابن زيد. والثالث : كبار العيون حسانها ، وواحدتهنّ عيناء ، قاله الزّجّاج.
قوله تعالى : (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ) في المراد بالبيض ها هنا ثلاثة أقوال : أحدها : أنه اللؤلؤ ، رواه عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال أبو عبيدة. والثاني : بيض النّعام ، قاله الحسن ، وابن زيد ، والزّجّاج. قال جماعة من أهل اللغة : والعرب تشبّه المرأة الحسناء في بياضها وحسن لونها ببيضة النّعامة ، وهو أحسن ألوان النساء ، وهو أن تكون المرأة بيضاء مشرّبة صفرة. والثالث : أنه البيض حين يقشر قبل أن تمسّه الأيدي ، قاله السّدّيّ ، وإلى هذا المعنى ذهب سعيد بن جبير ، وقتادة ، وابن جرير. فأمّا المكنون ، فهو المصون. فعلى القول الأول : هو مكنون في صدفه ، وعلى الثاني : هو مكنون بريش النّعام ، وعلى الثالث : هو مكنون بقشره.
(فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٥٠) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ (٥١) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (٥٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (٥٣) قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (٥٤) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ (٥٥) قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (٥٦) وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٥٧) أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (٥٨) إِلاَّ
__________________
(١) الواقعة : ١٩.
(٢) البيت للأبيرد الرياحي من بني محجل كما في «اللسان» ـ نزف ـ.