إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

زاد المسير في علم التفسير [ ج ٣ ]

زاد المسير في علم التفسير [ ج ٣ ]

542/583
*

مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٥٩) إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٠) لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ (٦١))

قوله تعالى : (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) يعني أهل الجنّة (يَتَساءَلُونَ) عن أحوال كانت في الدنيا. (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ) فيه أربعة أقوال : أحدها : أنه الصّاحب في الدنيا. والثاني : أنه الشّريك ، رويا عن ابن عباس. والثالث : أنه الشيطان ، قاله مجاهد. والرابع : أنه الأخ ؛ قال مقاتل : وهما الأخوان المذكوران في سورة الكهف (١) في قوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ) ؛ والمعنى : كان لي صاحب أو أخ ينكر البعث ، (يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ) قال الزّجّاج : هي مخفّفة الصاد ، من صدّق يصدّق فهو مصدّق ، ولا يجوز ها هنا تشديد الصاد ، قال المفسّرون : والمعنى : أإنّك لمن المصدّقين بالبعث؟ وقرأ بكر بن عبد الرّحمن القاضي عن حمزة : «المصدّقين» بتشديد الصاد. قوله تعالى : (أَإِنَّا لَمَدِينُونَ) أي : مجزيّون بأعمالنا ، يقال : دنته بما صنع ، أي : جازيته. فأحبّ المؤمن أن يرى قرينه الكافر ، فقال لأهل الجنّة : (هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ) أي : هل تحبّون الاطّلاع إلى النّار لتعلموا أين منزلتكم من منزلة أهلها؟ وقرأ ابن عباس ، والضّحّاك ، وأبو عمران ، وابن يعمر : «هل أنتم مطلعون» بإسكان الطاء وتخفيفها «فأطلع» بهمزة مرفوعة وسكون الطاء. وقرأ أبو رزين وابن أبي عبلة : «مطلعون» بكسر النون ، قال ابن مسعود : اطّلع ثم التفت إلى أصحابه فقال : لقد رأيت جماجم القوم تغلي ؛ قال ابن عباس : وذلك أنّ في الجنّة كوى ينظر منها أهلها إلى النار. قوله تعالى : (فَرَآهُ) يعني قرينه الكافر (فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) أي : في وسطها. وقيل : إنما سمّي الوسط سواء ، لاستواء المسافة منه إلى الجوانب. قال خليد العصريّ : والله لو لا أنّ الله عرّفه إيّاه ، ما عرفه ، لقد تغيّر حبره وسبره. فعند ذلك (قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) قال المفسّرون : معناه : والله ما كدت إلّا تهلكني ؛ يقال : أرديت فلانا ، أي : أهلكته. (وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي) أي : إنعامه عليّ بالإسلام (لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) معك في النار.

قوله تعالى : (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ) فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنه إذا ذبح الموت ، قال أهل الجنّة : (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (٥٨) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى) التي كانت في الدنيا (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) فيقال لهم : لا ؛ فعند ذلك قالوا : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) فيقول الله تعالى : (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) ، قاله ابن السّائب. وقيل : يقول ذلك للملائكة. والثاني : أنه قول المؤمن لأصحابه ، فقالوا له : إنك لا تموت ، فقال : «إنّ هذا لهو الفوز العظيم» ، قاله مقاتل. وقال أبو سليمان الدّمشقيّ : إنما خاطب المؤمن أهل الجنّة بهذا على طريق الفرح بدوام النّعيم ، لا على طريق الاستفهام ، لأنه قد علم أنّهم ليسوا بميّتين ، ولكن أعاد الكلام ليزداد بتكراره على سمعه سرورا. والثالث : أنه قول المؤمن لقرينه الكافر على جهة التّوبيخ بما كان ينكره ، ذكره الثّعلبي.

قوله تعالى : (لِمِثْلِ هذا) يعني النّعيم الذي ذكره في قوله : (أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ) (٢) ، (فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) ، وهذا ترغيب في طلب ثواب الله عزوجل بطاعته.

(أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (٦٢) إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (٦٣) إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ

__________________

(١) الكهف : ٣٢.

(٢) الصافات : ٤١.