الْجَحِيمِ (٦٤) طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (٦٥) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٦٦) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ (٦٧) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (٦٨) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ (٦٩) فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ (٧٠) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (٧١) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (٧٢) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (٧٤))
(أَذلِكَ خَيْرٌ) يشير إلى ما وصف لأهل الجنّة (نُزُلاً) قال ابن قتيبة : أي : رزقا ، ومنه : إقامة الأنزال ، وإنزال الجنود : أرزاقها ، وقال الزّجّاج : النّزل ها هنا : الرّيع والفضل ، تقول : هذا طعام نزل ونزل ، بتسكين الزاي وضمّها ؛ والمعنى : أذلك خير في باب الأنزال التي تتقوّت ويمكن معها الإقامة ، أم نزل أهل النّار؟! وهو قوله تعالى : (أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ). واختلف العلماء هل هذه الشجرة في الدنيا ، أم لا؟ فقال قطرب : هي شجرة مرّة تكون بأرض تهامة من أخبث الشجر. وقال غيره : الزّقّوم : ثمرة شجرة كريهة الطّعم. وقيل : إنها لا تعرف في شجر الدنيا ، وإنما هي في النّار ، يكره أهل النّار على تناولها. قوله تعالى : (إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ) يعني للكافرين ، وفي المراد بالفتنة ثلاثة أقوال : أحدها : أنه لمّا ذكر أنها في النّار ، افتتنوا وكذّبوا ، فقالوا : كيف يكون في النّار شجرة ، والنّار تأكل الشجر؟ ، فنزلت هذه الآية ، قاله قتادة (١) ، وقال السّدّيّ : فتنة لأبي جهل وأصحابه. والثاني : أنّ الفتنة بمعنى العذاب ، قاله ابن قتيبة. والثالث : أنّ الفتنة بمعنى الاختبار ، اختبروا بها فكذّبوا ، قاله الزّجّاج.
قوله تعالى : (تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) أي : في قعر النّار. قال الحسن : أصلها في قعر النّار ، وأغصانها ترتفع إلى دركاتها. (طَلْعُها) أي : ثمرها ، وسمّي طلعا ، لطلوعه (كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ). فإن قيل : كيف شبّهها بشيء لم يشاهد؟ فعنه ثلاثة أجوبة : أحدها : أنه قد استقرّ في النّفوس قبح الشياطين ـ وإن لم تشاهد ـ فجاز تشبيهها بما قد علم قبحه ، قال امرؤ القيس :
أيقتلني والمشرفيّ مضاجعي |
|
ومسنونة زرق كأنياب أغوال |
قال الزّجّاج : هو لم ير الغول ولا أنيابها ، ولكنّ التمثيل بما يستقبح أبلغ في باب المذكّر أن يمثّل بالشياطين ، وفي باب المؤنّث أن يشبّه بالغول.
والثاني : أنّ بين مكّة واليمن شجرا يسمّى رؤوس الشياطين ، فشبّهها بها ، قاله ابن السّائب. والثالث : أنه أراد بالشياطين : حيّات لها رؤوس ولها أعراف ، فشبّه طلعها برءوس الحيّات ، ذكره الزّجّاج. قال الفرّاء : والعرب تسمّي بعض الحيّات شيطانا ، وهو حيّة ذو عرف قبيح الوجه.
قوله تعالى : (فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها) أي : من ثمرها (فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ) وذلك أنهم يكرهون على أكلها حتى تمتلئ بطونهم. (ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ) قال ابن قتيبة : أي : لخلطا من الماء الحارّ يشربونه عليها. قال أبو عبيدة : تقول العرب : كلّ شيء خلطته بغيره فهو مشوب. قال المفسّرون : إذا أكلوا الزّقّوم ثم شربوا عليه الحميم ، شاب الحميم الزّقّوم في بطونهم فصار شوبا له. (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ) أي : بعد أكل الزّقّوم وشرب الحميم (لَإِلَى الْجَحِيمِ) وذلك أنّ الحميم خارج من الجحيم ، فهم يوردونه
__________________
(١) مرسل. أخرجه الطبري ٢٩٣٩٨ عن قتادة مرسلا ، وتقدم في سورة الإسراء : ٦٠.