ويعينه. قال ابن السّائب : كان ابن ثلاث عشرة سنة. والثالث : أنّ المراد بالسّعي : العبادة ، قاله ابن زيد ؛ فعلى هذا ، يكون قد بلغ.
قوله تعالى : (إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) أكثر العلماء على أنه لم ير أنه ذبحه في المنام. وإنما المعنى أنه أمر في المنام بذبحه ، ويدلّ عليه قوله تعالى : (افْعَلْ ما تُؤْمَرُ). وذهب بعضهم إلى أنه رأى أنه يعالج ذبحه ، ولم ير إراقة الدّم. قال قتادة : ورؤيا الأنبياء حقّ ، إذا رأوا شيئا ، فعلوه. وذكر السّدّيّ عن أشياخه أنه لمّا بشّر جبريل سارة بالولد ، قال إبراهيم : هو إذا لله ذبيح ، فلمّا فرغ من بنيان البيت ، أتي في المنام ، فقيل له : أوف بنذرك. واختلفوا في الذّبيح على قولين (١) : أحدهما : أنه إسحاق ، قاله عمر بن الخطّاب ، وعليّ بن أبي طالب ، والعبّاس بن عبد المطّلب ، وابن مسعود ، وأبو موسى الأشعري ، وأبو هريرة ، وأنس ، وكعب الأحبار ، ووهب بن منبّه ، ومسروق ، وعبيد بن عمير ، والقاسم بن أبي بزّة ، ومقاتل بن سليمان ، واختاره ابن جرير. وهؤلاء يقولون : كانت هذه القصة بالشام. وقيل : طويت له الأرض حتى حمله إلى المنحر بمنىّ في ساعة. والثاني : أنه إسماعيل ، قاله ابن عمر ، وعبد الله بن سلام ، والحسن البصريّ ، وسعيد بن المسيّب ، والشّعبيّ ، ومجاهد ، ويوسف بن مهران ، وأبو صالح ، ومحمّد بن كعب القرظي ، والرّبيع بن أنس ، وعبد الرحمن بن سابط. واختلفت الرواية عن ابن عباس ، فروى عنه عكرمة أنه إسحاق ، وروى عنه عطاء ، ومجاهد ، والشّعبيّ ، وأبو الجوزاء ، ويوسف بن مهران أنه إسماعيل ، وروى عنه سعيد بن جبير كالقولين. وعن سعيد بن جبير ، وعكرمة ، والزّهري ، وقتادة ، والسّدّيّ روايتان. وكذلك عن أحمد رضي الله عنه روايتان. ولكلّ قوم حجّة ليس هذا موضعها ، وأصحابنا ينصرون القول الأول.
__________________
(١) قال ابن كثير رحمهالله في «التفسير» ٤ / ١٩ ـ ٢١ : نصّ في كتاب أهل الكتاب أن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده وفي نسخة : بكره ، فأقحموا ها هنا كذبا وبهتانا «إسحاق» ولا يجوز هذا لأنه مخالف لنص كتابهم ، وإنما أقحموا «إسحاق» لأنه أبوهم ، وإسماعيل أبو العرب ، فحسدوهم ، فزادوا ذلك وحرّفوا وحيدك بمعنى الذي ليس عندك غيره ، فإن إسماعيل كان ذهب به وبأمه إلى جنب مكة وهذا تأويل وتحريف باطل. فإنه لا يقال : وحيد إلا لمن ليس له غيره ، وأيضا فإن أول ولد له معزّة ما ليس لمن بعده من الأولاد ، فالأمر بذبحه أبلغ في الابتلاء والاختبار.
وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الذبيح هو إسحاق ، وحكي ذلك عن طائفة من السلف حتى نقل عن بعض الصحابة أيضا ، وليس ذلك في كتاب ولا سنة ، وما أظن ذلك تلقّي إلا عن أخبار أهل الكتاب ، وأخذ ذلك مسلّما من غير حجة. وهذا كتاب الله شاهد ومرشد إلى أنه إسماعيل ، فإنه ذكر البشارة بالغلام الحليم ، وذكر أنه الذبيح ، ثم قال بعد ذلك : (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ). ولما بشرت الملائكة إبراهيم بإسحاق قالوا : (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) وقال تعالى : (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) أي : يولد له في حياتهما ولد يسمّى يعقوب ، فيكون من ذريته عقب ونسل. ولا يجوز بعد هذا أن يؤمر بذبحه وهو صغير ، لأن الله وعدهما بأنه سيعقب ، ويكون له نسل ، فكيف يمكن بعد هذا أن يؤمر بذبحه صغيرا.
وإسماعيل وصف ها هنا بالحلم ، لأنه مناسب لهذا المقام. وقوله : (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) أي : كبر وترعرع وصار يذهب مع أبيه ويمشي معه. وقد كان إبراهيم عليهالسلام يذهب في كل وقت يتفقد ولده وأم ولده ببلاد فارن وينظر في أمرهما وقد ذكر أنه كان يركب على البراق سريعا إلى هناك. والله أعلم. والصحيح أنه إسماعيل ، وهو المقطوع به اه.