الإشارة إلى قصّة الذّبح
ذكر أهل السّير والتفسير (١) أنّ إبراهيم لمّا أراد ذبح ولده ، قال له : انطلق فنقرب قربانا إلى الله عزوجل ، فأخذ سكينا وحبلا ، ثم انطلق ، حتى إذا ذهبا بين الجبال ، قال له الغلام : يا أبت أين قربانك؟ قال : يا بني إني رأيت في المنام أنّي أذبحك ، فقال له : اشدد رباطي حتى لا أضطرب ، واكفف عنّي ثيابك حتى لا ينتضح عليك من دمي فتراه أمّي فتحزن ، وأسرع مرّ السّكين على حلقي ليكون أهون للموت عليّ ، فإذا أتيت أمّي فاقرأ عليهاالسلام منّي ؛ فأقبل عليه إبراهيم يقبّله ويبكى ويقول : نعم العون أنت يا بنيّ على أمر الله عزوجل ، ثم إنه أمرّ السّكّين على حلقه فلم يحك شيئا. وقال مجاهد : لمّا أمرّها على حلقه انقلبت ، فقال : ما لك؟ قال : انقلبت ، قال : اطعن بها طعنا. وقال السّدّيّ : ضرب الله على حلقه صفيحة من نحاس ؛ وهذا لا يحتاج إليه ، بل منعها بالقدرة أبلغ. قالوا : فلمّا طعن بها ، نبت ، وعلم الله منهما الصّدق في التّسليم ، فنودي : يا إبراهيم قد صدّقت الرّؤيا ، هذا فداء ابنك ؛ فنظر إبراهيم ، فإذا جبريل معه كبش أملح.
قوله تعالى : (فَانْظُرْ ما ذا تَرى) لم يقل له ذلك على وجه المؤامرة في أمر الله عزوجل ، ولكن أراد أن ينظر ما عنده من الرّأي. وقرأ حمزة ، والكسائيّ ، وخلف : «ماذا تري» بضمّ التاء وكسر الراء ؛ فيها قولان : أحدهما : ماذا تريني من صبرك أو جزعك ، قاله الفرّاء. والثاني : ماذا تبين ، قاله الزّجّاج. وقال غيره : ماذا تشير. قوله تعالى : (افْعَلْ ما تُؤْمَرُ) قال ابن عباس : افعل ما أوحي إليك من ذبحي (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) على البلاء.
قوله تعالى : (فَلَمَّا أَسْلَما) أي : استسلما لأمر الله عزوجل فأطاعا ورضيا. وقرأ عليّ بن أبي طالب ، وابن مسعود ، وابن عباس ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، والأعمش وابن أبي عبلة : «فلمّا سلّما» بتشديد اللام من غير همز قبل السين ؛ والمعنى : سلّما لأمر الله عزوجل. وفي جواب قوله : «فلمّا أسلما» قولان : أحدهما : أنّ جوابه : «وناديناه» ، والواو زائدة ، قاله الفرّاء. والثاني : أنّ الجواب محذوف لأنّ في الكلام دليلا عليه ؛ والمعنى : فلمّا فعل ذلك ، سعد وأجزل ثوابه ، قاله الزّجّاج. قوله تعالى : (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) قال ابن قتيبة : أي : صرعه على جبينه فصار أحد جبينيه على الأرض ، وهما جبينان ، والجبهة بينهما ، وهي ما أصاب الأرض في السّجود ، والناس لا يكادون يفرّقون بين الجبين والجبهة ، فالجبهة مسجد الرجل الذي يصيبه ندب السّجود ، والجبينان يكتنفانها ، من كلّ جانب جبين. قوله تعالى : (وَنادَيْناهُ) قال المفسّرون : نودي من الجبل : (يا إِبْراهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) وفيه قولان : أحدهما : قد عملت ما أمرت ، وذلك أنه قصد الذّبح بما أمكنه ، وطاوعه الابن بالتّمكين من الذّبح ، إلّا أنّ الله تعالى صرف ذلك كما شاء ، فصار كأنه قد ذبح وإن لم يتحقّق الذّبح. والثاني : أنه رأى في المنام معالجة الذّبح ، ولم ير إراقة الدّم ، فلمّا فعل في اليقظة ما رأى في المنام ، قيل له : «قد صدّقت الرّؤيا». وقرأ أبو المتوكّل ، وأبو الجوزاء ، وأبو عمران ، والجحدريّ : «قد صدقت الرّؤيا» بتخفيف الدال ، وها هنا تمّ الكلام. ثم قال تعالى : (إِنَّا كَذلِكَ) أي : كما ذكرنا من العفو من ذبح ولده
__________________
(١) هو موقوف على ابن عباس ، انظر «تفسير البغوي» ٤ / ٣٣.