تزوّج إلى الجنّ فخرجت من بينهم الملائكة ، قاله قتادة ، وابن السّائب. فخرج في معنى الجنّة قولان : أحدهما : أنهم الملائكة. والثاني : الجنّ. فعلى الأول ، يكون معنى قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ) أي : علمت الملائكة (إِنَّهُمْ) أي : إنّ هؤلاء المشركين (لَمُحْضَرُونَ) النّار. وعلى الثاني : «ولقد علمت الجنّة إنهم» أي : إنّ الجنّ أنفسها «لمحضرون» الحساب.
قوله تعالى : (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) يعني الموحّدين. وفيما استثنوا منه قولان : أحدهما : أنهم استثنوا من حضور النّار ، قاله مقاتل. والثاني : ممّا يصف أولئك ، وهو معنى قول ابن السّائب.
قوله تعالى : (فَإِنَّكُمْ) يعني المشركين (وَما تَعْبُدُونَ) من دون الله ، (ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) أي : على ما تعبدون (بِفاتِنِينَ) أي : بمضلّين أحدا ، (إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) أي : من سبق له في علم الله أنه يدخل النّار.
(وَما مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (١٦٦) وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ (١٦٧) لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٦٨) لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٩) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (١٧٠) وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (١٧٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٤) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٥) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (١٧٦) فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٧) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٨) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٩) سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٢))
ثم أخبر عن الملائكة بقوله تعالى : (وَما مِنَّا) والمعنى : ما منا ملك (إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) أي : مكان في السّموات مخصوص يعبد الله فيه (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) قال قتادة : صفوف في السماء. وقال السّدّيّ : هو الصّلاة. وقال ابن السّائب : صفوفهم في السماء كصفوف أهل الدنيا في الأرض. قوله تعالى : (وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) فيه قولان : أحدهما : المصلّون. والثاني : المنزّهون لله عزوجل عن السّوء. وكان عمر بن الخطّاب إذا أقيمت الصلاة أقبل على الناس بوجهه وقال : يا أيّها الناس استووا ، فإنّما يريد الله بكم هدي الملائكة ، وإنّا لنحن الصّافّون ، وإنّا لنحن المسبّحون.
ثم عاد إلى الإخبار عن المشركين ، فقال : (وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ) اللام في «ليقولون» لام توكيد ؛ والمعنى : وقد كان كفّار قريش يقولون قبل بعثة النبيّ صلىاللهعليهوسلم : (لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً) أي : كتابا (مِنَ الْأَوَّلِينَ) أي : مثل كتب الأوّلين ، وهم اليهود والنّصارى ، (لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) أي : لأخلصنا العبادة لله عزوجل. (فَكَفَرُوا بِهِ) فيه اختصار تقديره : فلمّا آتاهم ما طلبوا كفروا به (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) عاقبة كفرهم ، وهذا تهديد لهم. (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا) أي : تقدّم وعدنا للمرسلين بنصرهم ، والكلمة قوله تعالى : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) (١) ، (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ) بالحجّة ، (وَإِنَّ جُنْدَنا) يعني حزبنا المؤمنين (لَهُمُ الْغالِبُونَ) بالحجّة أيضا والظّفر. (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) أي : أعرض عن كفّار مكّة (حَتَّى حِينٍ) أي : حتى تنقضي مدّة إمهالهم. وقال مجاهد : حتى نأمرك بالقتال ؛ فعلى هذا ، الآية محكمة. وقال في رواية : حتى
__________________
(١) المجادلة : ٢١.