سورة الكهف
فصل في نزولها : روى أبو صالح عن ابن عباس أنّ سورة الكهف مكّيّة ، وكذلك قال الحسن ، ومجاهد وقتادة. وهذا إجماع المفسرين من غير خلاف نعلمه ، إلّا أنه قد روي عن ابن عباس ، وقتادة أنّ فيها آية مدنيّة وهي قوله : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ) (١). وقال مقاتل : من أوّلها إلى قوله تعالى : (صَعِيداً جُرُزاً) (٢) مدنيّ ، وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (٣) الآيتان مدنيّة ، وباقيها مكيّ.
(٩٢٨) وروى أبو الدّرداء عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من حفظ عشر آيات من أوّل سورة الكهف ثم أدرك الدّجّال لم يضرّه ، ومن حفظ خواتيم سورة الكهف كانت له نورا يوم القيامة».
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (١) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (٢) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (٣) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً (٤) ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً (٥) فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (٦))
قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) قد شرحناه في أوّل «الفاتحة». والمراد بعبده ها هنا : محمّد صلىاللهعليهوسلم ، وبالكتاب : القرآن ، تمدّح بإنزاله ، لأنه إنعام على الرسول خاصّة ، وعلى الناس عامّة. قال العلماء باللغة والتّفسير : في هذه الآية تقديم وتأخير ، تقديرها : أنزل على عبده الكتاب (قَيِّماً) أي : مستقيما عدلا. وقرأ أبو رجاء ، وأبو المتوكّل ، وأبو الجوزاء ، وابن يعمر ، والنّخعيّ ، والأعمش : «قيّما» بكسر القاف ، وفتح الياء ، وقد فسّرناه في الأنعام (٤).
____________________________________
(٩٢٨) صحيح. أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» ٧ / ٣٨ / ١٣٢ من حديث أبي الدرداء ، وإسناده على شرط مسلم. وأخرج مسلم ٨٠٩ وأبو داود ٤٣٢٣ والنسائي في «اليوم والليلة» ٩٥١ وأحمد ٦ / ٤٤٩ وابن حبان ٧٨٥ و ٧٨٦ من حديث أبي الدرداء عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجّال». وانظر «تفسير الشوكاني» ١٤٧٩ بتخريجنا.
__________________
(١) سورة الكهف : ٢٨.
(٢) سورة الكهف : ٨.
(٣) سورة الكهف : ١٠٧ و ١٠٨.
(٤) سورة الأنعام : ١٦١.