قيل : ما معنى قوله تعالى : (إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) وأنتم تقولون : صعد إلى السماء؟ فالجواب : أنّ الإسراء كان إلى هنالك ، والمعراج كان من هنالك. وقيل : إنّ الحكمة في ذكر ذلك ، أنه لو أخبر بصعوده إلى السماء في بدء الحديث ، لاشتدّ إنكارهم ، فلمّا أخبر ببيت المقدس ، وبان لهم صدقه فيما أخبرهم به من العلامات الصّادقة ، أخبر بمعراجه.
قوله تعالى : (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) يعني : ما رأى تلك الليلة من العجائب التي أخبر بها الناس. (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لمقالة قريش ، (الْبَصِيرُ) بها. وقد ذكرنا في كتابنا المسمّى ب «الحدائق» أحاديث المعراج ، وكرهنا الإطالة ها هنا.
(وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً (٢) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (٣))
قوله تعالى : (وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) لمّا ذكر في الآية الأولى إكرام محمّد صلىاللهعليهوسلم ، ذكر في هذه كرامة موسى. و (الْكِتابَ) : التّوراة. (وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) أي : دللناهم به على الهدى. (أَلَّا تَتَّخِذُوا) قرأ أبو عمرو : «يتخذوا» بالياء ، والمعنى : هديناهم لئلّا يتّخذوا ، وقرأ الباقون بالتاء ، قال أبو عليّ : وهو على الانصراف إلى الخطاب بعد الغيبة ، مثل : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) ثم قال : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ). قوله تعالى : (وَكِيلاً) قال مجاهد : شريكا. وقال الزّجاج : ربّا. قال ابن الأنباري : وإنما قيل للرّبّ : وكيل ، لكفايته وقيامه بشأن عباده ، من أجل أنّ الوكيل عند الناس قد علم أنه يقوم بشئون أصحابه ، وتفقّد أمورهم ، فكان الرّبّ وكيلا من هذه الجهة ، لا على معنى ارتفاع منزلة الموكّل وانحطاط أمر الوكيل.
قوله تعالى : (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا) قال مجاهد : هو نداء : يا ذرّيّة من حملنا. قال ابن الأنباري : من قرأ : «ألّا تتخذوا» بالتاء ، فإنه يقول : بعد الذّريّة مضمر حذف اعتمادا على دلالة ما سبق ، تلخيصه : يا ذريّة من حملنا مع نوح لا تتّخذوا وكيلا ، ويجوز أن يستغنى عن الإضمار بقوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) لأنه بمعنى : اشكروني كشكره. ومن قرأ : «ألّا يتّخذوا» بالياء ، جعل النداء متصلا بالخطاب ، و «الذّريّة» تنتصب بالنداء ، ويجوز نصبها بالاتّخاذ على أنها مفعول ثان ، تلخيص الكلام : ألّا يتخذوا ذريّة من حملنا مع نوح وكيلا. قال قتادة : الناس كلّهم ذريّة من أنجى الله في تلك السفينة. قال العلماء : ووجه الإنعام على الخلق بهذا القول ، أنهم كانوا في صلب من نجا. قوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) قال سلمان الفارسي : كان إذا أكل قال : «الحمد لله» وإذا شرب قال : «الحمد لله». وقال غيره : كان إذا لبس ثوبا قال : «الحمد لله» فسمّاه الله «عبدا شكورا».
(وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (٤) فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً (٥) ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (٦))
__________________
٤٦٥ : فائدة : ذهب جماعة إلى أنه لم يكن قبل الإسراء صلاة مفروضة إلا ما كان وقع الأمر به من صلاة الليل من غير تحديد. وذهب الحربي إلى أن الصلاة كانت مفروضة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي.