غزوة بحران(١)
قال ابن إسحاق : أقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم [بالمدينة] (٢) ، ربيع الأول. ثم
__________________
= وفي غزوة ذي أمر يقول الواقدي بعد ما تقدّم من كلامه : جمعهم رجل منهم يقال له دعثور بن الحارث بن محارب ، فندب رسول الله صلىاللهعليهوسلم المسلمين ، فخرج في أربعمائة رجل وخمسين ، ومعهم أفراس. فأخذ على المنقى ، ثم سلك مضيق الخبيث ثم خرج إلى ذي القصة ، فأصاب رجلا منهم بذي القصة يقال له جبّار من بني ثعلبة فقالوا : أين تريد؟ قال : أريد يثرب. قالوا : وما حاجتك بيثرب؟ قال : أردت أن أرتاد لنفسي وانظر. قالوا : هل مررت بجمع ، أو بلغك خبر لقومك؟ قال : لا ، إلّا أنّه قد بلغني أنّ دعثور بن الحارث في أناس من قومه عزّل ، فأدخلوه على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فدعاه إلى الإسلام فأسلم ، وقال : يا محمد ، إنّهم يلاقوك ، إن سمعوا بمسيرك هربوا في رءوس الجبال ، وأنا سائر معك ودالّك على عورتهم. فخرج به النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وضمّه إلى بلال ، فأخذ به طريقا أهبطه عليهم من كثيب ، وهربت منه الأعراب فوق الجبال ، وقبل ذلك ما قد غيّبوا سرحهم في ذرى الجبال وذراريهم فلم يلاق رسول الله صلىاللهعليهوسلم أحدا ، إلّا أنّه ينظر إليهم في رءوس الجبال. فنزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذا أمر وعسكر معسكره ، فأصابهم مطر كثير.
فذهب رسول الله صلىاللهعليهوسلم لحاجته فأصابه ذلك المطر فبلّ ثوبه ، وقد جعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم وادي ذي أمر بينه وبين أصحابه. ثم نزع ثيابه فنشرها لتجفّ ، وألقاها على شجرة ثم اضطجع تحتها ، والأعراب ينظرون إلى كل ما يفعل. فقالت الأعراب لدعثور ، وكان سيّدها وأشجعها : قد أمكنك محمد ، وقد انفرد من أصحابه حيث إن غوّث بأصحابه لم يغث حتى تقتله. فاختار سيفا من سيوفهم صارما ، ثم أقبل مشتملا على السيف حتى قام على رأس النّبيّ صلىاللهعليهوسلم بالسيف مشهورا ، فقال : يا محمد ، من يمنعك منّي اليوم؟ قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : الله! قال : ودفع جبريل عليهالسلام في صدره ، ووقع السيف من يده ، فأخذه النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وقام به على رأسه فقال : من يمنعك منّي اليوم؟ قال : لا أحد قال : فأنا أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا رسول الله. والله لا أكثر عليك جمعا أبدا. فأعطاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم : سيفه. ثم أدبر ، ثم أقبل بوجهه فقال : أما والله لأنت خير منّي. قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أنا أحق بذلك منك. فأتى قومه فقالوا : أين ما كنت تقول وقد أمكنك والسيف في يدك؟ قال : والله كان ذلك ، ولكنّي نظرت إلى رجل أبيض دفع في صدري فوقعت لظهري ، فعرفت أنّه ملك وشهدت أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا رسول الله ، والله لا أكثر عليه ، وجعل يدعو قومه إلى الإسلام. ونزلت هذه الآية فيه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) (سورة المائدة : من الآية ١١).
(١) بحران : بالضمّ ، موضع بناحية الفرع. قال الواقدي : بين الفرع والمدينة ثمانية برد ، وقال ابن إسحاق : هو معدن بالحجاز في ناحية الفرع. وضبطه بعضهم بالفتح (بحران). (معجم البلدان ١ / ٣٤١).
(٢) زيادة من ع.