بياضة ، فتلقّاه زياد بن لبيد ، وفروة بن عمرو ، فدعوه إلى النّزول فيهم ، فقال : دعوها فإنّها مأمورة. فأتى دور بني عديّ بن النّجّار ، وهم أخوال عبد المطلب (١) ، فتلقّاه سليط بن قيس ، ورجال من بني عديّ ، فدعوه إلى النّزول والبقاء عندهم ، فقال : دعوها فإنّها [٤ ب] مأمورة. ومشى حتى أتى دور بني مالك بن النّجّار ، فبركت النّاقة في موضع المسجد ، وهو مربد تمر لغلامين يتيمين. وكان فيه نخل وحرث وخرب ، وقبور للمشركين. فلم ينزل عن ظهرها ، فقامت ومشت قليلا ، وهو صلىاللهعليهوسلم لا يهيّجها ، ثم التفتت فكرّت إلى مكانها وبركت فيه ، فنزل عنها. فأخذ أبو أيّوب الأنصاريّ رحلها فحمله إلى داره. ونزل النّبيّ صلىاللهعليهوسلم في بيت من دار أبي أيّوب. فلم يزل ساكنا عند أبي أيّوب حتى بنى مسجده وحجره في المربد. وكان قد طلب شراءه فأبت بنو النّجّار من بيعه ، وبذلوه لله وعوّضوا اليتيمين. فأمر بالقبور فنبشت ، وبالخرب فسوّيت. وبنى عضادتيه (٢) بالحجارة ، وجعل سواريه (٣) من جذوع النّخل ، وسقفه بالجريد. وعمل فيه المسلمون حسبة.
فمات أبو أمامة أسعد بن زرارة الأنصاريّ تلك الأيام بالذّبحة (٤). وكان من سادة الأنصار ومن نقبائهم الأبرار. ووجد النبيّ صلىاللهعليهوسلم وجدا لموته ، وكان قد كواه. ولم يجعل على بني النّجّار بعده نقيبا وقال : أنا نقيبكم. فكانوا يفخرون بذلك.
وكانت يثرب لم تمصّر ، وإنّما كانت قرى مفرّقة : بنو مالك بن النّجّار في قرية ، وهي مثل المحلّة ، وهي دار بني فلان. كما في الحديث : «خير
__________________
(١) قال ابن هشام ٢ / ٢٣٨ «وهم أخواله دنيا ـ أمّ عبد المطّلب سلمى بنت عمرو».
(٢) العضادة : من الطريق ، الناحية ، وأعضاد البيت : نواحيه. (تاج العروس ٨ / ٣٨٣ ، ٣٨٤).
(٣) السارية : الأسطوانة من حجر أو آجرّ.
(٤) الذبحة : داء يأخذ في الحلق وربّما قتل ، أو قرحة تظهر فيه فينسدّ معها وينقطع النّفس فيقتل.
يقال : أخذته الذّبحة. (تاج العروس ٦ / ٣٧٢).