قد أذنت لك. فأتاهم ، فبكوا وقالوا : يا أبا لبابة ، ما ذا ترى ، فأشار بيده إلى حلقه ، يريهم إنّما يراد بكم القتل. فلما انصرف سقط في يده (١) ورأى أنّه قد أصابته فتنة عظيمة فقال : والله لا انظر في وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى أحدث لله توبة نصوحا يعلمها الله من نفسي. فرجع إلى المدينة فربط يديه إلى جذع من جذوع المسجد. فزعموا أنّه ارتبط قريبا من عشرين ليلة (٢).
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، كما ذكر ، حين راث عليه (٣) أبو لبابة : أما فرغ أبو لبابة من حلفائه قالوا : يا رسول الله ، قد والله انصرف من عند الحصن ، وما ندري أين سلك. فقال : قد حدث له أمر. فأقبل رجل فقال : يا رسول الله ، رأيت أبا لبابة ارتبط بحبل إلى جذع من جذوع المسجد. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لقد أصابته بعدي فتنة ، ولو جاءني لاستغفرت له. فإذا فعل هذا فلن أحرّكه من مكانه حتى يقضي الله فيه ما شاء (٤).
قال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، فذكر نحو ما قصّ موسى ابن عقبة. وعنده : فلبس رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأمته وأذّن بالخروج ، وأمرهم أن يأخذوا السّلاح. ففرغ النّاس للحرب. وبعث عليّا على المقدّمة ودفع إليه اللواء. ثم خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم على آثارهم. ولم يقل بضع عشرة ليلة.
وقال يونس بن بكير ، والبكائي ـ واللّفظ له ـ عن ابن إسحاق (٥) قال : حاصرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم خمسا وعشرين ليلة ، حتى جهدهم الحصار ، وقذف الله في قلوبهم الرّعب. وكان حييّ بن أخطب دخل مع بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان ، وفاء لكعب بن أسد بما كان
__________________
(١) سقط في يده ، وأسقط في يده (مضمومتين) زلّ وأخطأ وندم.
(٢) جاء في جوامع السيرة لابن حزم ١٩٣ أنه أقام مرتبطا بالجذع ست ليال لا يحل إلّا للصلاة.
(٣) راث عليه : أبطأ ، وفي المغازي لعروة ٧١٧ «حين غاب عليه»
(٤) البداية والنهاية ٤ / ١١٩ وسيرة ابن هشام ٣ / ٢٦٨ والمغازي لعروة ١٨٧.
(٥) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٦٨.