وجهه ، فإذا طلحة بن عبيد الله ، فقال : ويحك ، وأين التحوّز (١) والفرار إلّا إلى الله؟ قالت : ويرمي سعدا رجل من قريش ، يقال له ابن العرقة ، بسهم ، فقال : خذها ، وأنا ابن العرقة. فأصاب أكحله. فدعا الله سعد فقال : اللهمّ لا تمتني حتى تشفيني من قريظة. وكانوا مواليه وحلفاءه في الجاهلية. فرقأ كلمة وبعث الله الريح على المشركين. وساقت الحديث بطوله. وفيه قالت : فانفجر كلمه وقد كان بريء حتى ما يرى منه إلّا مثل الخرص (٢). ورجع إلى قبّته. قالت : وحضره رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأبو بكر وعمر. فإنّي لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر ، وأنا في حجرتي ، وكانوا كما قال الله تعالى (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) (٣). قال : فقلت ما كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يصنع؟ قالت : كانت عيناه لا تدمع على أحد (٤) ولكنّه كان إذا وجد فإنّما هو آخذ بلحيته (٥).
وقال حمّاد بن سلمة ، عن محمد بن زياد ، عن عبد الرحمن بن عمرو ابن سعد بن معاذ ، أنّ بني قريظة نزلوا على حكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأرسل إلى سعد بن معاذ فأتي به محمولا على حمار وهو مضنى [من جرحه] (٦) ، فقال له : أشر عليّ في هؤلاء. فقال : إنّي أعلم أنّ الله قد أمرك فيهم بأمر أنت فاعله. قال : أجل ، ولكن أشر عليّ فيهم ، فقال : لو ولّيت أمرهم قتلت مقاتلتهم وسبيت ذراريهم وقسمت أموالهم. فقال : والّذي نفسي بيده
__________________
(١) انظر الطبقات الكبرى ٣ / ٤٣٠.
(٢) الخرص : الخاتم أو حلقة القرط.
(٣) سورة الفتح : من الآية ٢٩.
(٤) بل كان عليه الصلاة والسلام رقيق القلب ، فقد وردت أحاديث في بكائه رحمة وشفقة على الميت أو خوفا على أمّته أو خشية من الله أو اشتياقا ومحبّة. (الشمائل للترمذي وجامع الأصول وغيرهما).
(٥) الطبقات الكبرى ٣ / ٤٢٣ ورواه أحمده في مسندة ٦ / ١٤١ ، ١٤٢ وإسناده حسن.
(٦) الإضافة من سير أعلام النبلاء ١ / ٢٨٨.