على طريق عير قريش ممّا يلي سيف البحر ، لا يمرّ بهم عير لقريش إلّا أخذوها وقتلوا أصحابها. وانفلت أبو جندل في سبعين راكبا أسلموا وهاجروا ، فلحقوا بأبي بصير ، وقطعوا مادّة قريش من الشام ، وكان أبو بصير يصلّي بأصحابه ، فلما قدم عليه أبو جندل كان يؤمّهم (١).
واجتمع إلى أبي جندل حين سمعوا بقدومه ناس من بني غفار وأسلم وجهينة وطوائف ، حتى بلغوا ثلاثمائة مقاتل وهم مسلمون ، فأرسلت قريش إلى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم يسألونه أن يبعث إلى أبي بصير ومن معه فيقدموا عليه ، وقالوا : من خرج منّا إليك فأمسكه ، قال : ومرّ بأبي بصير أبو العاص بن الربيع من الشام فأخذوه ، فقدم على امرأته زينب سرّا. وقد تقدّم شأنه. وأرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم كتابه (٢) إلى أبي بصير أن لا يعترضوا لأحد. فقدم الكتاب على أبي جندل وأبي بصير ، وأبو بصير يموت. فمات وكتاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم في يده يقرؤه ، فدفنه أبو جندل مكانه ، وجعل عند قبره مسجدا (٣).
وقال يحيى بن أبي كثير : حدّثني أبو سلمة ، أنّ أبا هريرة حدّثه ، أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم كان إذا صلّى العشاء الآخرة نصب (٤) في الركعة الأخيرة بعد ما [٦٦ أ] يقول : «سمع الله لمن حمده» : اللهمّ نجّ الوليد بن الوليد ، اللهمّ نجّ سلمة بن هشام ، اللهمّ نجّ عيّاش بن أبي ربيعة ، اللهمّ نجّ المستضعفين من المؤمنين ، اللهمّ اشدد وطأتك على مضر. اللهمّ اجعلها سنين مثل سنّي
__________________
(١) سيرة ابن هشام ٤ / ٣١. تاريخ الطبري ٢ / ٦٣٩ ، نهاية الأرب ١٧ / ٢٤٥ ، و ٢٤٦ و ٢٤٧ ، سيرة ابن هشام ٤ / ٣١ عيون التواريخ ١ / ٢٦٣ ، عيون الأثر ٢ / ١٢٨.
(٢) لم تر وكتب السيرة نصّا لهذا الكتاب ، وانظر : مجموعة الوثائق السياسية للدكتور محمد حميد الله (ص ٦٥) ، وإعلام السائلين عن كتب سيّد المرسلين لابن طولون الدمشقيّ (ص ٤٧).
(٣) نهاية الأرب ١٧ / ٢٤٧ ، ٢٤٨.
(٤) نصب في الدعاء : جدّ فيه. (لسان العرب ـ مادة نصب).