يرده. فقال له راهب : أنت تريد دين الحنيفيّة ، وهذا وراءك من حيث خرجت. ثم إنّه قدم مكة معتمرا ، فلقي زيد بن عمرو بن نفيل (١) ، فقصّ عليه أمره. فكان أبو قيس بعد يقول : ليس أحد على دين إبراهيم إلّا أنا وزيد. فلما قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة ، وقد أسلمت الخزرج والأوس ، إلّا ما كان من أوس الله فإنّها وقفت مع ابن الأسلت ، وكان فارسها وخطيبها ، وشهد يوم بعاث ، فقيل له : يا أبا قيس ، هذا صاحبك الّذي كنت تصف. قال : رجل قد بعث بالحقّ. ثم جاء إلى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم فعرض عليه شرائع الإسلام ، فقال : ما أحسن هذا وأجمله ، انظر في أمري. وكاد أن يسلم. فلقيه عبد الله بن أبيّ ، فأخبره بشأنه فقال : كرهت والله حرب الخزرج. فغضب وقال : والله لا أسلم سنة. فمات قبل السّنة.
فروى الواقديّ عن ابن أبي حبيبة ، عن داود بن الحصين ، عن أشياخه أنّهم كانوا يقولون : لقد سمع يوحّد عند الموت (٢).
__________________
(١) زيد بن عمرو بن نفيل : ابن عمّ عمر بن الخطّاب رضياللهعنه : أحد المتفرّقين في طلب الأديان كما يقول ابن هشام. وكان يقول : أنا أنتظر نبيا من ولد إسماعيل ، ثم من بني عبد المطّلب ، ولا أراني أدركه ، وأنا أو من به وأصدّقه وأشهد أنه نبيّ وكان يستقبل الكعبة في المسجد ويقول : لبّيك حقّا حقا ، تعبّدا ورقّا.
وقال النّبيّ صلىاللهعليهوسلم إنه يبعث أمّة وحده ، وأنه رآه في الجنّة يسحب ذيولا.
وخرّج البخاري في كتاب الفضائل من صحيحه حديثا مطوّلا عنه ، وفيه عن ابن عمر أنّ زيدا خرج إلى الشام يسأل عن الدّين ويتبعه ، فدلّ على الحنيفيّة دين إبراهيم ، وأنه لم يكن يهوديّا ولا نصرانيّا ، ولا يعبد إلّا الله ، فرفع يديه إلى السماء فقال : اللهمّ إنّي أشهد أنّي على دين إبراهيم.
ترجمته في ابن هشام (١ / ٢٢٢) والطبقات الكبرى (١ / ١٦١ و ٤ / ٣٨٤) والمحبّر ١٧٠ و ١٧١ و ١٧٥ وتاريخ الطبري (٢ / ٢٩٥) وانظر صحيح البخاري : كتاب فضائل أصحاب النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، باب حديث : زيد بن عمرو بن نفيل.
(٢) انظر هذه القصة في ترجمة محصن بن أبي قيس بن الأسلت في الطبقات الكبرى (٤ / ٣٨٥).