معه غير سيفه. فنحر رجل جزورا فسأله المدديّ (١) طائفة من جلده ، فأعطاه فاتّخذه كهيئة الدّرقة. ومضينا فلقينا جموع الروم ، وفيهم رجل على فرس له أشقر وعليه سرج مذهّب وسلاح مذهّب ، فجعل يغري بالمسلمين. وقعد له المدديّ خلف صخرة ، فمرّ به الروميّ فعرقب فرسه ، فخرّ وعلاه فقتله وحاز فرسه وسلاحه. فأخذه منه خالد بن الوليد ، فأتيته فقلت : أما علمت أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قضى بالسّلب للقاتل؟ قال : بلى ، ولكنّي استكثرته. قلت : لتردّنّه أو لأعرفنّكما عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم. قال : فاجتمعنا ، فقصصت على رسول الله القصّة ، فقال لخالد : «ما حملك على ما صنعت»؟ قال : استكثرته. قال : «ردّ عليه ذلك». فقلت : دونك يا خالد ، ألم أقل لك؟
فقال رسول الله : «ما ذلك»؟ فأخبرته. قال : فغضب وقال : «يا خالد لا تردّه عليه. هل أنتم تاركو لي أمرائي ، لكم صفوة أمرهم وعليهم كدرة].
وقال الواقديّ (٢) : حدّثني محمد بن مسلم ، عن يحيى بن يعلى ، سمعت عبد الله بن جعفر يقول : أنا أحفظ حين دخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم على أمّي ، فنعى لها أبي ، فأنظر إليه وهو يمسح على رأسي ورأس أخي ، وعيناه تهرقان الدموع ثم قال : «اللهمّ إنّ جعفرا قد قدم إليك إلى أحسن ثواب (٣) ، فاخلفه في ذرّيته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك في ذرّيّته». ثم قال : «يا أسماء ، ألا أبشّرك»؟ قالت : بلى ، بأبي أنت وأميّ ، قال : «إنّ الله جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنّة». قالت : فأعلم النّاس ذلك. وذكر الحديث.
__________________
(١) المددي : الرجل من المدد الذين جاءوا يمدّونهم بمؤتة ويساعدونهم.
(٢) انظر : المغازي للواقدي (٢ / ٧٦٦ ـ ٧٦٧).
(٣) في الأصل ، ع : إليك أحسن ثوابه. والتصحيح من (ح) وفي الواقدي (٢ / ٧٦٧) : إلى أحسن ثواب.