فقال النّبيّ صلىاللهعليهوسلم حين أدبر : «اللهمّ سدّ على أبصارهم وأسماعهم فلا يروني إلّا بغتة». فانطلق أبو سفيان حتى قدم مكة فحدّث قومه ، فقالوا : أرضيت بالباطل وجئتنا بما لا يغني عنّا شيئا ، وإنّما لعب بك عليّ.
وأغبر (١) رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الجهاز ، مخفيا لذلك. فدخل أبو بكر على ابنته ، فرأى شيئا من جهاز رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنكر وقال : أين يريد رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ فقالت عائشة : تجهّز (٢) ، فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم غاز قومك ، قد غضب لبني كعب. فدخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأشفقت عائشة أن يسقط أبوها بما أخبرته قبل أن يذكره رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأشارت إلى أبيها بعينها ، فسكت. فمكث رسول الله صلىاللهعليهوسلم ساعة يتحدّث مع أبي بكر ثم قال : «هل تجهّزت يا أبا بكر»؟ قال : لما ذا يا رسول الله؟ قال : «لغزو قريش ، فإنّهم قد غدروا ونقضوا العهد ، وإنّا غازون إن شاء الله».
وأذّن في النّاس بالغزو ، فكتب حاطب إلى قريش فذكر حديثه. وقال : ثم (٣) خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم في اثني عشر ألفا من المهاجرين ، [٩٢ ب] والأنصار ، وأسلم ، وغفار ، ومزينة ، وجهينة ، وبني سليم. وقادوا الخيول حتى نزلوا بمرّ الظّهران ، ولم تعلم بهم قريش. قال ، فبعثوا حكيم بن حزام وأبا سفيان وقالوا : خذوا لنا جوارا أو آذنوا (٤) بالحرب. فخرجا فلقيا بديل بن ورقاء فاستصحباه ، فخرج معهما حتى إذا كانوا بالأراك (٥) بمكة ، وذلك عشاء ، رأوا الفساطيط والعسكر ، وسمعوا صهيل الخيل ففزعوا. فقال :
__________________
(١) أغبر في الأمر : جدّ في طلبه.
(٢) في الأصل : نجهزه والتصحيح من ح.
(٣) من هنا يبدأ الحديث في المطبوع من المغازي لعروة ٢٠٩.
(٤) في مغازي عروة «آذنوه».
(٥) الأراك : فرع من دون ثافل (جبل) قرب مكة ، وقيل موضع من نمرة في موضع من عرفة.
(معجم البلدان ١ / ١٣٥).