لقي العبّاس فلا يقتله فإنّه إنّما خرج مستكرها. فقال أبو حذيفة (١) : أنقتل آباءنا وإخواننا ونترك العبّاس؟ والله لئن لقيته لألحمنّه (٢) بالسيف. فبلغت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال لعمر : يا أبا حفص (٣) ، أيضرب وجه عمّ رسول الله (٤)؟ فقال عمر : دعني فلأضرب عنق هذا المنافق. فكان أبو حذيفة يقول : ما أنا آمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ ، ولا أزال منها خائفا ، إلّا أن تكفّرها عنّي الشهادة. فاستشهد يوم اليمامة.
وكان أبو البختريّ أكفّ القوم عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقام في نقض الصّحيفة. فلقيه المجذّر بن ذياد (٥) البلوي حليف الأنصار ، فقال : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد نهانا عن قتلك. فقال : وزميلي جنادة الليثيّ؟ فقال المجذّر : لا والله ما أمرنا إلّا بك وحدك. فقال : لأموتنّ أنا وهو ، لا يتحدّث عنّي نساء مكة أنّي تركت زميلي حرصا على الحياة. فاقتتلا ، فقتله المجذّر. ثم أتى النّبي صلىاللهعليهوسلم فقال : والّذي بعثك بالحقّ لقد جهدت عليه أن يستأسر ، فآتيك به ، فأبى إلا أن يقاتلني.
وعن عبد الرحمن بن عوف رضياللهعنه قال : كان أميّة بن خلف صديقا لي بمكة. قال فمررت به ومعي أدراع قد استلبتها ، فقال لي : هل لك فيّ ، فأنا خير لك من الأدراع؟ قلت : نعم ، ها الله إذن. وطرحت
__________________
(١) هو أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، من فضلاء الصّحابة ، ومن السابقين إلى الإسلام ، أسلم قبل دخول النّبيّ صلىاللهعليهوسلم دار الأرقم. وشهد بدرا وما بعدها ، وهاجر الهجرتين إلى الحبشة والمدينة. قتل يوم اليمامة شهيدا وهو ابن ثلاث ـ أو أربع ـ وخمسين سنة. (الإصابة ٤ / ٤٢ ، ٤٣ رقم ٢٦٤).
(٢) ألحمه السيف : أي أمكن منه لحمه. ولحمه : ضربه. ورواية ابن هشام «لألحمنّه السيف» قال : ويقال «لألجمنّه السيف» بالجيم. (السيرة ٣ / ٣٩)
(٣) في طبعة القدسي ٣٨ «أيا حفص».
(٤) في ح وفي السيرة ٣ / ٣٩ «أيضرب وجه عمّ رسول الله بالسيف»؟
(٥) المحبّر ٧٤ ، ١٧٧ ، و ٤٦٧ ، المشتبه للذهبي ٢ / ٥٧٣.