أمر الّذين خلّفوا (١)
قال شعيب بن أبي حمزة ، عن الزّهري ، أخبرني سعيد بن المسيّب : أنّ بني قريظة كانوا حلفاء ، لأبي لبابة. فاطّلعوا إليه ، وهو يدعوهم إلى حكم النّبيّ صلىاللهعليهوسلم فقالوا : يا أبا لبابة ، أتأمرنا أن ننزل؟ فأشار بيده إلى حلقه أنه الذّبح. فأخبر عنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم بذلك فقال له : لم ترعبني؟ فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أحسبت أنّ الله غفل عن يدك حين تشير إليهم بها إلى حلقك؟» فلبث حينا ورسول الله صلىاللهعليهوسلم عاتب عليه.
ثم غزا رسول الله صلىاللهعليهوسلم تبوكا ، فتخلّف عنه أبو لبابة فيمن تخلّف. فلمّا قفل رسول الله صلىاللهعليهوسلم جاءه أبو لبابة يسلّم عليه ، فأعرض عنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم. ففزع أبو لبابة ، فارتبط بسارية التّوبة ، التي عند باب أم سلمة ، سبعا بين يوم وليلة ، في حرّ شديد ، لا يأكل فيهنّ ولا يشرب قطرة. وقال : لا يزال هذا مكاني حتى أفارق الدنيا أو يتوب الله عليّ. فلم يزل كذلك حتى ما يسمع الصّوت من الجهد. ورسول الله صلىاللهعليهوسلم ينظر إليه بكرة وعشيّة. ثم تاب الله عليه فنودي : إنّ الله قد تاب عليك. فأرسل إليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليطلق عنه رباطه ، فأبى أن يطلقه عنه أحد إلّا رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فجاءه فأطلق عنه بيده. فقال أبو
__________________
(١) انظر سيرة ابن هشام ٤ / ١٨٠.