فلمّا نزل سعد بن أبي وقّاص بهرسير ـ وهي المدينة التي فيها منزل كسرى ـ طلب السّفن ليعبر بالنّاس إلى المدينة القصوى ، فلم يقدر على شيء منها ، وجدهم قد ضمّوا السّفن ، فبقي أيّاما حتّى أتاه أعلاج فدلّوه على مخاضة (١) ، فأبى ، ثمّ إنّه عزم له أن يقتحم دجلة ، فاقتحمها المسلمون وهي زائدة ترمي بالزّبد (٢) ، ففجئ (٣) أهل فارس أمر لم يكن لهم في حساب ، فقاتلوا ساعة ثمّ انهزموا وتركوا جمهور أموالهم ، واستولى المسلمون على ذلك كلّه ، ثم أتوا إلى القصر الأبيض ، وبه قوم قد تحصّنوا ثمّ صالحوا.
وقيل إنّ الفرس لمّا رأوا اقتحام المسلمين الماء تحيّروا وقالوا : والله ما نقاتل الإنس ولا نقاتل إلّا الجنّ ، فانهزموا (٤).
ونزل سعد القصر الأبيض ، واتّخذ الإيوان مصلّى ، وإنّ فيه لتماثيل جصّ فما حرّكها (٥).
ولمّا انتهى إلى مكان كسرى أخذ يقرأ (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ) (٦) الآية.
__________________
= فكان كل واحد منهم إذا ملك بنى لنفسه مدينة إلى جنب التي قبلها وسمّاها باسم ، فأوّلها المدينة العتيقة التي لزاب ، ثم مدينة الإسكندر ، ثم طيسفون من مدائنها ، ثم اسفانير ، ثم مدينة يقال لها رومية ، فسمّيت المدائن بذلك .. قال حمزة : اسم المدائن بالفارسيّة توسفون وعرّبوه على الطيسفون والطيسفونج وإنّما سمّتها العرب المدائن لأنّها سبع مدائن بين كل مدينة إلى الأخرى مسافة قريبة أو بعيدة. (معجم البلدان ٥ / ٧٤ ، ٧٥).
(١) في النسخة (ح) «مخاصمة» وهو تحريف.
(٢) العبارة في تاريخ الطبري ٤ / ١٠ «وتلاحق عظم الجند ، فركبوا اللّجّة ، وإنّ دجلة لترمي بالزّبد ، وإنّها لمسودّة ، وإنّ الناس ليتحدّثون في عومهم وقد اقتربوا ما يكترثون».
(٣) في تاريخ الطبري «ففجئوا».
(٤) تاريخ الطبري ٤ / ١٤.
(٥) تاريخ الطبري ٤ / ١٤ ، ١٥.
(٦) سورة الدخان ، الآية ٢٥.