فأمرنا فيه بالنّهوض في أمر الأسود فرأينا أمرا كثيفا ، ورأينا الأسود قد تغيّر لقيس بن عبد يغوث ، فأخبرنا قيسا وأبلغناه عن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فكأنّما وقعنا عليه من السماء (١) فأجابنا ، وجاء وبر وكاتبنا النّاس ودعوناهم ، فأخبر الأسود شيطانه فأرسل إلى قيس فقال : ما يقول الملك؟ يقول : عمدت إلى قيس فأكرمته ، حتّى إذا دخل منك كلّ مدخل مال ميل عدوّك ، فحلف له وتنصّل ، فقال : أتكذّب الملك؟ قد صدق وعرفت أنّك تائب ، قال : فأتانا قيس وأخبرنا فقلنا : كمن (٢) على حذر ، وأرسل إلينا الأسود : ألم أشرّفكم على قومكم ، ألم يبلغني عنكم؟ فقلنا : أقلنا مرّتنا هذه ، فقال : فلا يبلغني عنكم فأقتلكم ، فنجونا ولم نكد ، وهو في ارتياب (٣) من أمرنا ، قال : فكاتبنا عامر بن شهر ، وذو الكلاع ، وذو ظليم ، فأمرناهم أن لا يتحرّكوا بشيء ، قال : فدخلت على امرأته آذاد (٤) فقلت : يا بنت عمّ قد عرفت بلاء هذا الرجل ، وقتل زوجك وقومك وفضح النّساء ، فهل من ممالأة عليه؟ قالت : ما خلق الله أبغض إليّ منه ، ما يقوم على حقّ ولا ينتهي عن حرمة ، فخرجت فإذا فيروز وداذويه ينتظراني (٥) ، وجاء قيس ونحن نريد أن نناهضه ، فقال له رجل قبل أن يجلس : الملك يدعوك ، فدخل في عشرة فلم يقدر على قتله ، وقال يا عبهلة أمنّي (٦) تتحصّن بالرجال ، ألم أخبرك الحقّ وتخبرني الكذب ، تريد قتلي! فقال : كيف وأنت رسول الله فمرني بما أحببت ، فأمّا الخوف والفزع فأنا فيهما فاقتلني وارحمني ، فرقّ له وأخرجه ، فخرج علينا وقال :
__________________
(١) «من السماء» ساقطة من الأصل ، ومن نسخة (ع) ، والمنتقى لابن الملّا ، والاستدراك من تاريخ الطبري ٣ / ٢٣١ ، ونهاية الأرب للنويري ١٩ / ٥٣.
(٢) عند الطبري ٣ / ٢٣٢ «نحن» بدل «كمن».
(٣) في الأصل (في ارتياد) ، والتصحيح من المنتقى لابن الملّا ، وتاريخ الطبري (٣ / ٢٣٢).
(٤) في طبعة القدسي ٣ / ١٢ «آزادي» بالزاي ، والتصويب من تاريخ الطبري.
(٥) في طبعة القدسي ٣ / ١٢ «ينتظر أبي» وهو وهم ، والتصويب من تاريخ الطبري.
(٦) في طبعة القدسي ٣ / ١٢ «أنا عبهلة أمتي» وهو وهم ، والتصويب من تاريخ الطبري ٣ / ٢٣٣.