فجلس إلى شهريران ، وكان على مطر قباء برد يمنّي أرضه حمراء ووشيه أسود. فتساءلا ، ثم إنّ شهريران قال : أيّها الأمير أتدري من أين جاء هذا الرجل؟ هذا رجل بعثته نحو السّدّ منذ سنتين (١) ينظر ما حاله ومن دونه ، وزوّدته مالا عظيما ، وكتبت له إلى من يليني وأهديت له ، وسألته أن يكتب له إلى من وراءه ، وزوّدته لكلّ ملك هديّة ، ففعل ذلك بكلّ ملك بينه وبينه ، حتّى انتهى إلى الملك الّذي السّدّ في ظهره (٢) ، فكتب له إلى عامله على ذلك البلد فأتاه ، فبعث معه بازياره ومعه عقابه وأعطاه حريرة ، قال : فلمّا انتهينا إذا جبلان ، بينهما سدّ مسدود حتى ارتفع على الجبلين ، وإنّ دون السّدّ خندقا أشدّ سوادا من اللّيل لبعده ، فنظرت إلى ذلك كلّه وتفرّست فيه ، ثم ذهبت لأنصرف ، فقال لي البازيار (٣) على رسلك أكافئك (٤) إنّه لا يلي ملك بعد ملك إلّا تقرّب إلى الله بأفضل ما عنده من الدنيا فيرمي به هذا اللهب ، قال : فشرّح بضعة لحم معه وألقاها في ذلك الهواء ، وانقضّت عليها العقاب ، وقال : إن أدركتها قبل أن تقع فلا شيء ، فخرج عليه العقاب باللّحم في مخاليبه ، فإذا قد لصق فيه ياقوتة فأعطانيها وها هي ذه ، فتناولها شهريران فرآها حمراء ، فتناولها عبد الرحمن ثم ردّها ، فقال شهريران. إنّ هذه لخير من هذا ـ يعني الباب ـ وايم الله لأنتم أحبّ إليّ ملكة من آل كسرى ، ولو كنت في سلطانهم ثمّ بلغهم خبرها لانتزعوها منّي ، وايم الله لا يقوم لكم شيء ما وفيتم أو وفى ملككم الأكبر.
__________________
(١) في تاريخ الطبري «سنين».
(٢) هكذا في الأصل ، وفي تاريخ الطبري «حتى انتهى إليه ، فانتهى إلى الملك الّذي السّدّ في ظهر أرضه».
(٣) البازيار : حافظ الباز وصاحبه. تاج (العروس). والباز أشرف الطيور. وبه سمي (علم البزدرة) كما في تذكرة داود الأنطاكي.
(٤) في تاريخ الطبري (أكافك) وكلاهما صحيح. ومثله في النسخة (ح).