ويستأذنه أن يدخل المدينة ويقول : إنّ عنده أعمالا كثيرة فيها منافع للنّاس : إنّه حدّاد نقّاش نجّار ، فأذن له أن يرسل به ، وضرب عليه المغيرة مائة درهم في الشّهر ، فجاء إلى عمر يشتكي شدّة الخراج ، قال : ما خراجك بكثير. فانصرف ساخطا يتذمّر ، فلبث عمر ليالي (١) ثمّ دعاه فقال : ألم أخبر أنّك تقول : لو شاء لصنعت رحى تطحن بالرّيح؟ فالتفت إلى عمر عابسا وقال : لأصنعنّ لك رحى يتحدّث النّاس بها ، فلمّا ولّي قال عمر لأصحابه : أوعدني العبد آنفا. ثمّ اشتمل أبو لؤلؤة على خنجر ذي رأسين نصابه في وسطه ، فكمن في زاوية من زوايا المسجد في الغلس (٢).
وقال عمرو بن ميمون الأوديّ : إنّ أبا لؤلؤة عبد المغيرة طعن عمر بخنجر له رأسان وطعن معه اثني عشر رجلا ، مات منهم ستّة ، فألقى عليه رجل من أهل العراق ثوبا ، فلمّا اغتمّ فيه قتل نفسه (٣).
وقال عامر بن عبد الله بن الزّبير عن أبيه قال : جئت من السّوق وعمر يتوكّأ عليّ ، فمرّ بنا أبو لؤلؤة ، فنظر إلى عمر نظرة ظننت أنّه لو لا مكاني لبطش به ، فجئت بعد ذلك إلى المسجد الفجر فإنّي لبين النّائم واليقظان ، إذ سمعت عمر يقول : قتلني الكلب ، فماج النّاس ساعة ، ثمّ إذا قراءة عبد الرحمن بن عوف.
وقال ثابت البناني ، عن أبي رافع : كان أبو لؤلؤة عبدا للمغيرة يصنع الأرحاء ، وكان المغيرة يستغلّه (٤) كلّ يوم أربعة دراهم ، فلقي عمر فقال : يا
__________________
(١) في النسخة (ع) «لياليا» ، وهو خطأ ، لأنّ «ليالي» ممنوعة من الصرف.
(٢) طبقات ابن سعد ٣ / ٣٤٥ ، تاريخ الخلفاء ١٣٣ ، وانظر تعليق الأستاذين الأخوين : علي وناجي الطنطاوي في : سيرة عمر بن الخطاب ٢ / ٦٠٧ حول هذه الرواية.
(٣) طبقات ابن سعد ٣ / ٣٤٠ ، تاريخ الخلفاء ١٣٤.
(٤) هكذا في الأصل والمصادر الأخرى ، وعند الحاكم في المستدرك «يستعمله».