ثمّ جلس عثمان في جانب المسجد ودعا بعبيد الله بن عمر بن الخطّاب ، وكان محبوسا في دار سعد ، وسعد الّذي نزع السّيف من يد عبيد الله بعد أن قتل جفينة والهرمزان وبنت أبي لؤلؤة ، وجعل عبيد الله يقول : والله لأقتلنّ رجالا ممّن شرك في دم أبي ، يعرّض بالمهاجرين والأنصار ، فقام إليه سعد فنزع السيف من يده وجبذه بشعره حتّى أضجعه وحبسه ، فقال عثمان لجماعة من المهاجرين ، أشيروا عليّ في هذا الّذي فتق في الإسلام ما فتق ، فقال عليّ : أرى أن تقتله ، فقال بعضهم : قتل أبوه بالأمس ويقتل هو اليوم ، فقال عمرو بن العاص : يا أمير المؤمنين إنّ الله قد أعفاك أن يكون هذا الحدث (١) ولك على المسلمين سلطان ، إنّما تمّ هذا ولا سلطان لك ، قال عثمان : أنا وليّهم وقد جعلتها دية واحتملتها من مالي (٢).
قلت : والهرمزان هو ملك تستر ، وقد تقدّم إسلامه ، قتله عبيد الله بن عمر لما أصيب عمر ، فجاء عمّار بن ياسر فدخل على عمر فقال : حدث اليوم حدث في الإسلام ، قال : وما ذاك؟ قال قتل عبيد الله الهرمزان ، قال : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) عليّ به ، وسجنه.
قال سعيد بن المسيّب : اجتمع أبو لؤلؤة وجفينة ، رجل من الحيرة ، والهرمزان ، معهم خنجر له طرفان مملكة في وسطه ، فجلسوا مجلسا فأثارهم
__________________
= وغيره عن رجال لا يعرفون أنّ عليّا قال لعبد الرحمن خدعتني وإنّك إنّما ولّيته لأنّه صهرك وليشاورك كل يوم في شأنه ، وأنه تلكّأ حتى قال له عبد الرحمن : (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ...) إلى غير ذلك من الأخبار المخالفة لما ثبت في الصّحاح فهي مردودة على قائليها وناقليها. والله أعلم.
والمظنون بالصحابة خلاف ما يتوهم كثير من الرافضة وأغبياء القصّاص الذين لا تمييز عندهم بين صحيح الأخبار وضعيفها ، ومستقيما وسقيمها ، ومبادها وقويمها. والله الموفق للصواب».
وانظر : تاريخ الطبري ٤ / ٢٣٨ ، ٢٣٩.
(١) في الأصل ، ح (هذا الحديث) وهو وهم.
(٢) طبقات ابن سعد ٣ / ٣٥٥ ، ٣٥٦ ، تاريخ الطبري ٤ / ٢٣٩.