عنقك ، ثم تحاورا طويلا (١) فصمّم على قتله : فكلّمه أبو قتادة الأنصاري وابن عمر ، فكره كلامهما ، وقال لضرار بن الأزور : اضرب عنقه ، فالتفت مالك إلى زوجته وقال : هذه التي قتلتني ، وكانت في غاية الجمال ، قال خالد : بل الله قتلك برجوعك عن الإسلام ، فقال : أنا على الإسلام ، فقال : اضرب عنقه ، فضرب عنقه وجعل رأسه أحد أثافي قدر طبخ فيها طعام ، ثم تزوّج خالد بالمرأة ، فقال أبو زهير السّعديّ من أبيات :
قضي خالد بغيا عليه لعرسه |
|
وكان له فيها هوى قبل ذلكا (٢) |
__________________
(١) كذا في الأصل ، ونسخة (ع) ، والمنتقى لابن الملّا. وفي نسخة دار الكتب «قليلا».
(٢) قال الأستاذ الشيخ محمد الطاهر بن عاشور رحمهالله في كتابه (نقد علميّ لكتاب الإسلام وأصول الحكم ص ٣٣).
أما محاورة مالك بن نويرة لخالد بن الوليد فهي نفس ما قام به الفريق الثاني من أهل حروب الرّدّة ، وكان مالك بن نويرة من زعمائهم ، ولعلّ ذلك سبب قتل خالد بن الوليد له ، لأنّه رآه مثوّرا للعامّة ومغريا لهم ـ كما هو الشأن في حمل التّبعات على القادة والرؤساء ـ إذ العامّة أتباع كلّ ناعق ، ومجرّد النّطق بالشهادتين مانع من القتل لأجل الكفر ، وبقي القتل لأجل حقوق الإسلام ، وقد ثبت القتل على الصلاة ، وثبتت مقارنة الزّكاة للصلاة في آيات القرآن ... وكلمة الشهادة قد يسهل النّطق بها على من لم يعتقد الإسلام ، فجعلت الصلاة والزكاة دليلا على صدق المسلم فيما نطق به ...
وقال الشيخ محمد زاهد الكوثري رحمهالله :
كان مالك بن نويرة قدم المدينة وأسلم ، فاستعمله النّبيّ صلىاللهعليهوسلم على جباية زكاة قومه ، ولذلك ذكره من ذكره في عداد الصّحابة ، وبعد وفاته صلىاللهعليهوسلم خان العهد والتحقق بسجاح المتنبّئة ، وأبي دفع الزكاة مرارا وتكرارا عند مناقشته في ذلك ، واجترأ أن يقول : صاحبكم يقول كذا ، فمثل خالد رضوان الله عليه في صرامته وحزمه ضدّ أهل الرّدّة ـ وهو شاهد يرى ما لا يراه الغائب ـ إذا قسا على مثل مالك هذا ، لا يعدّ أنه اقترف ذنبا ، والقتل والسبي من أحكام الرّدّة.
وأمّا ما يحاك حول زواج خالد بامرأة مالك من الخيالات الشائنة فليس إلّا صنع يد الكذّابين ، ولم يذكر منه شيء بسند متّصل فضلا عن أن يكون مرويا برجال ثقات. وتزوّج خالد المسبيّة بعد انقضاء عدّتها هو الواقع في الروايات عند ابن جرير وابن كثير وغيرهما ، ولا غبار على ذلك ، لأنّ مالكا إن قتل خطأ فقد انقضت عدّة امرأته ثمّ تزوّجت ، وإن قتل عمدا على الرّدّة فقد انقضت عدّة امرأته أيضا فتزوّجت ، فما ذا في هذا؟!! ولو صحّت رواية قتله لمسلم بغير حقّ ونزوه على امرأته بدون نكاح لاستحال أن يبقيه أبو بكر رضوان الله عليه في قيادة الجيش لبعده رضياللهعنه عن الاعتضاد بفاجر سفّاك ، ولسان سيرته يقول في كلّ موقف : (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) ولما يعود من ذلك على الإسلام من سوء القالة في أخطر الأيام ـ أيام حرب الرّدّة ـ وقد =