وقال الزّهري : أخبرني عبيد الله بن عبد الله ، أنّ ابن مسعود كره لزيد نسخ المصاحف وقال : يا معشر المسلمين أعزل عن نسخ المصاحف ويتولّاها رجل غيري ، والله لقد أسلمت وإنّه لفي صلب أبيه ، يا أهل الكوفة : اكتموا المصاحف التي عندكم وغلّوها (١).
قلت : قال ذلك لما جعل عثمان زيد بن ثابت على كتابة المصاحف ، وتطلّب سائر مصاحف الصحابة ليغسلها أو يحرّقها ، فعل ذلك ليجمع الأمّة على مصحف واحد.
قال أبو وائل : خطب ابن مسعود وقال : غلّوا مصاحفكم ، كيف يأمروني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت (٢) ، وقد قرأت من في رسول الله صلىاللهعليهوسلم
__________________
= والخطيب البغدادي في «الرحلة في طلب الحديث» برقم (٢٥) ، والطبراني ٩ / ٦٨.
(١) رجاله ثقات ، لكنه منقطع ، فقد أرسل عبيد الله بن عبد الله عن عمّ أبيه عبد الله بن مسعود ، وأخرجه الترمذي في التفسير ، ضمن حديث رقم (٣١٠٤) باب : ومن سورة التوبة ، وابن أبي داود في «المصاحف» ص ١٧ ، وانظر الفتح الباري ٩ / ١٧ باب جمع القرآن ، وسير أعلام النبلاء ١ / ٤٨٧.
(٢) قال ابن كثير : في البداية والنهاية ٧ / ٢١٨. فكتب إليه عثمان يدعوه إلى اتّباع الصّحابة فيما أجمعوا عليه من المصلحة في ذلك وجمع الكلمة وعدم الاختلاف ، فأناب وأجاب إلى المتابعة وترك المخالفة رضياللهعنهم أجمعين. وانظر سير أعلام النبلاء ١ / ٤٨٨.
ويقول المرحوم الأستاذ الكوثري : إنّ ابن مسعود رضوان الله عليه بعد أن أبدى استياءه من عدم توليته أمر الكتابة ، وافق الجماعة على هذا العمل الحكيم. وكان زيد بن ثابت ـ عليه رضوان الله ـ هو الّذي قام بكتابة القرآن ، ومعه رهط في عهد عثمان ، كما كان هو القائم بها في عهد أبي بكر ـ رضوان الله عليهم ـ فليس لابن مسعود أن يغضب من تولية عثمان زيدا أمر نسخ القرآن وكتابته ، لأنه هو الّذي كان وقع عليه الاختيار في العهدين ، بسبب أنّ زيدا كان أكثر كتّاب الوحي ملازمة للنّبيّ صلىاللهعليهوسلم في كتابة الوحي على شبابه وقوّته وجودة خطّه ، ولأبي بكر وعثمان أسوة حسنة برسول الله صلىاللهعليهوسلم في اختياره لكتابة المصحف الكريم ، على أنّ طول ممارسته لمهمّة كتابة القرآن يجعله جاريا على نمط واحد في الرّسم. واتّحاد الرسم في جميع أدوار كتابة القرآن أمر مطلوب جدا. وتحميل مثل هذا العمل الشاقّ للشيوخ من الصّحابة فيه إرهاق. وليس أحد من الصحابة ينكر فضل ابن مسعود وسبقه واتّساعه في معرفة القرآن وعلومه ، لكنّهم لا يرون وجها لاستيائه من هذا الأمر ، وهو القائم بمهمّة عظيمة في الكوفة ، يفقّه أهلها في دين الله ويعلّمهم =