وجندب بن زهير ، وأصفر بن قيس ، يسألون عثمان عزل سعيد بن العاص عنهم. فرحل سعيد أيضا إلى عثمان فوافقهم عنده ، فأبى عثمان أن يعزله ، فخرج الأشتر من ليلته في نفر ، فسار عشرا إلى الكوفة واستولى عليها وصعد المنبر عليها فقال : هذا سعيد بن العاص قد أتاكم يزعم أنّ السّواد بستان لأغيلمة من قريش ، والسّواد مساقط رءوسكم ومراكز رماحكم ، فمن كان يرى لله عليه حقا فلينهض إلى الجرعة (١) ، فخرج النّاس فعسكروا بالجرعة ، فأقبل سعيد حتى نزل العذيب (٢) ، فجهّز الأشتر إليه ألف فارس مع يزيد بن قيس الأرحبيّ ، وعبد الله بن كنانة العبديّ ، فقال : سيروا وأزعجاه وألحقاه بصاحبه ، فإن أبى فاضربا عنقه ، فأتياه ، فلمّا رأى منهما الجدّ رجع.
وصعد الأشتر منبر الكوفة وقال : يا أهل الكوفة ما غضبت إلّا لله ولكم ، وقد ولّيت أبا موسى الأشعريّ صلاتكم ، وحذيفة بن اليمان فيئكم ، ثمّ نزل وقال : يا أبا موسى اصعد ، فقال : ما كنت لأفعل ، ولكن هلمّوا فبايعوا لأمير المؤمنين وجدّدوا البيعة في رقابكم ، فأجابه النّاس. وكتب إلى عثمان بما صنع ، فأعجب عثمان ، فقال عتبة بن الوعل شاعر الكوفة :
تصدّق علينا يا بن عفّان واحتسب |
|
وأمر علينا الأشعريّ لياليا |
فقال عثمان : نعم وشهورا وسنين إن عشت ، وكان الّذي صنع أهل الكوفة بسعيد أول وهن دخل على عثمان حين اجترئ عليه.
وعن الزّهريّ قال : ولّي عثمان ، فعمل ستّ سنين لا ينقم عليه النّاس شيئا ، وإنّه لأحبّ إليهم من عمر ، لأنّ عمر كان شديدا عليهم ، فلمّا وليهم
__________________
(١) الجرعة : بالتحريك ، موضع قرب الكوفة المكان الّذي فيه سهولة ورمل. (معجم البلدان ٢ / ١٢٧ ، ١٢٨) وانظر : الكامل في التاريخ ٣ / ١٤٨.
(٢) في نسخة دار الكتب مهمل ، والتصحيح من معجم البلدان ٤ / ٩٢ وهو ماء بين القادسية والمغيثة.