فأمّا أهل مصر فكانوا يشتهون عليّا ، وأمّا أهل البصرة فكانوا يشتهون الزّبير ، وأمّا أهل الكوفة فكانوا يشتهون طلحة ، وخرجوا ولا تشكّ كلّ فرقة أنّ أمرها سيتمّ دون الأخرى ، حتّى كانوا من المدينة على ثلاث ، فتقدّم ناس من أهل البصرة فنزلوا ذا خشب. وتقدّم ناس من أهل الكوفة فنزلوا الأعوص (١) ، وجاءهم أناس من أهل مصر ، ونزل عامّتهم بذي المروة ، ومشى فيما بين أهل البصرة وأهل مصر زياد بن النّضر ، وعبد الله بن الأصمّ ليكشفوا خبر المدينة ، فدخلا فلقيا أزواج النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وطلحة ، والزّبير ، وعليّا ، فقالا : إنّما نؤمّ هذا البيت ، ونستعفي من بعض عمّالنا ، واستأذنوهم للنّاس بالدخول ، فكلّهم أبى ونهى. فرجعا ، فاجتمع من أهل مصر نفر فأتوا عليّا ، ومن أهل البصرة نفر فأتوا الزّبير ، ومن أهل الكوفة نفر فأتوا طلحة (٢) ، وقال كلّ فريق منهم : إن بايعنا صاحبنا وإلّا كدناهم وفرّقنا جماعتهم ، ثمّ كررنا حتّى نبغتهم.
فأتى المصريّون عليّا وهو في عسكر عند أحجار الزّيت ، وقد سرّح ابنه الحسن إلى عثمان فيمن اجتمع اليه ، فسلّم على عليّ المصريّون ، وعرضوا له ، فصاح بهم وطردهم وقال : لقد علم الصّالحون أنّكم ملعونون ، فارجعوا لا صحبكم الله ، فانصرفوا ، وفعل طلحة والزّبير نحو ذلك.
فذهب القوم وأظهروا أنّهم راجعون إلى بلادهم ، فذهب أهل المدينة إلى منازلهم ، فلمّا ذهب القوم إلى عساكرهم كرّوا بهم ، وبغتوا أهل المدينة
__________________
(١) الأعوص : بفتح الواو ، موضع قرب المدينة. (معجم البلدان ١ / ٢٢٣).
(٢) هنا في (ع) اضطراب في النصّ ، وكذلك في منتقى الأحمديّة ، صحّحته من نسخة الدار ، وتاريخ الطبري ٤ / ٣٥٠ ، وتاريخ دمشق ٣١٧.