وعمّار فحنق عليه قومهم ، وجاء المصريّون يشكون ابن أبي سرح ، فكتب إليه يتهدّده فأبى أن يقبل ، وضرب بعض من أتاه ممّن شكاه فقتله.
فخرج من أهل مصر سبعمائة رجل ، فنزلوا المسجد ، وشكوا إلى الصّحابة ما صنع ابن أبي سرح بهم ، فقام طلحة فكلّم عثمان بكلام شديد ، وأرسلت إليه عائشة تقول له : أنصفهم من عاملك ، ودخل عليه عليّ ، وكان متكلّم القوم فقال : إنّما يسألونك رجلا مكان رجل ، وقد ادّعوا قبله دما ، فاعزله ، واقض بينهم ، فقال : اختاروا رجلا أوله ، فأشاروا عليه بمحمد بن أبي بكر ، فكتب عهده ، وخرج معهم عدد من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بين أهل مصر وابن أبي سرح ، فلمّا كان محمد على مسيرة ثلاث من المدينة ، إذا هم بغلام أسود على بعير مسرعا ، فسألوه ، فقال : وجّهني أمير المؤمنين إلى عامل مصر ، فقالوا له : هذا عامل أهل مصر ، وجاءوا به إلى محمد ، وفتّشوه فوجدوا إداوته تتقلقل ، فشقّوها ، فإذا فيها كتاب من عثمان إلى ابن أبي سرح ، فجمع محمد ، من عنده من الصّحابة ، ثمّ فكّ الكتاب ، فإذا فيه : إذا أتاك محمد ، وفلان ، وفلان فاستحلّ قتلهم ، وأبطل كتابه ، واثبت على عملك. فلمّا قرءوا الكتاب رجعوا الى المدينة ، وجمعوا طلحة ، وعليّا ، والزّبير ، وسعدا ، وفضّوا الكتاب ، فلم يبق أحد إلّا حنق على عثمان ، وزاد ذلك غضبا وحنقا أعوان أبي ذرّ ، وابن مسعود ، وعمّار.
وحاصر أولئك عثمان وأجلب عليه محمد بن أبي بكر ببني تيم ، فلمّا رأى ذلك عليّ بعث إلى طلحة ، والزّبير ، وعمّار ، ثمّ دخل إلى عثمان ، ومعه الكتاب والغلام والبعير فقال : هذا الغلام والبعير لك؟ قال : نعم ، قال : فهذا كتابك؟ فحلف أنّه ما كتبه ولا أمر به ، قال : فالخاتم خاتمك؟ قال : نعم.
فقال : كيف يخرج غلامك ببعيرك بكتاب عليه خاتمك ولا تعلم به!.