إلّا أن ننطلق ، فقلت : فإنّي أخرج معك ، قال : فانطلقت معه. فلمّا انتهينا إلى باب بيت المقدس ، فإذا على باب المسجد رجل مقعد قال : يا عبد الله تصدّق عليّ ، فلم يكن معه شيء يعطيه إيّاه ، فدخل المسجد فصلّى ثلاثة أيّام ولياليهنّ ، ثمّ إنّه انصرف ، فخطّ خطّا وقال : إذا رأيت الظّلّ بلغ هذا الخطّ فأيقظني ، فنام ، وقال : فرثيت له من طول ما سهر ، فلم أوقظه حتّى جاوز الخطّ ، فاستيقظ فقال : ألم أقل لك! قلت : إنّي رثيت لك من طول ما سهرت ، فقال : ويحك إنّي أستحي من الله أن تمضي ساعة من ليل أو نهار لا أذكره فيها ، ثمّ خرج ، فقال له المقعد : أنت رجل صالح دخلت وخرجت ولم تصدّق عليّ ، فنظر يمينا وشمالا فلم ير أحدا ، قال : أرني يدك ، قم بإذن الله ، فقام ليس به علّة ، فشغلني النّظر إليه ، ومضى صاحبي في السّكك ، فالتفتّ فلم أره ، فانطلقت أطلبه.
قال : ومرّت رفقة من العراق ، فاحتملوني ، فجاءوا بي إلى المدينة ، فلمّا قدم النّبيّ صلىاللهعليهوسلم المدينة قال : ذكرت قولهم : «إنّه لا يأكل الصّدقة ويقبل الهديّة» ، فجئت بطعام إليه ، فقال : «ما هذا ،؟ قلت : صدقة ، فقال لأصحابه : «كلوا» ولم يذقه ، ثمّ إنّي رجعت وجمعت طعيما ، فقال : «ما هذا يا سلمان»؟ قلت : هديّة ، فأكل ، قلت : يا رسول الله أخبرني عن النّصاري ، قال : «لا خير فيهم» ، فقمت وأنا مثقل ، قال : فرجعت إليه رجعة أخرى ، فقلت له : يا رسول الله أخبرني عن النّصاري ، قال : «لا خير فيهم ولا فيمن يحبّهم» ، فقمت وأنا مثقل ، فأنزل الله تعالى (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى) (١) فأرسل إليّ فقال : «يا سلمان إنّ صاحبك أو أصحابك من هؤلاء الذين ذكر الله تعالى» (٢). إسناده جيّد ، وزكريا
__________________
(١) سورة المائدة ، الآية ٨٢.
(٢) الأسامي والكنى للحاكم (ورقة ٣٠٤ ، ٣٠٥).