فلمّا انصرف عليّ من البصرة ، أرسل جرير بن عبد الله البجليّ إلى معاوية ، فكلّم معاوية ، وعظّم أمر عليّ ومبايعته (١) واجتماع النّاس عليه ، فأبى أن يبايعه ، وجرى بينه وبين جرير كلام كثير ، فانصرف جرير إلى عليّ فأخبره ، فأجمع على المسير إلى الشام ، وبعث معاوية أبا مسلم الخولانيّ إلى عليّ بأشياء يطلبها منه ، منها أن يدفع إليه قتلة عثمان ، فأبى عليّ ، وجرت بينهما رسائل.
ثمّ سار كلّ منهما يريد الآخر ، فالتقوا بصفّين لسبع بقين من المحرّم ، وشبّت الحرب بينهم في أوّل صفر ، فاقتتلوا أيّاما.
فحدّثني ابن أبي سبرة ، عن عبد المجيد بن سهيل ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس قال : استعملني عثمان على الحجّ ، فأقمت للناس الحجّ ، ثمّ قدمت وقد قتل وبويع لعليّ ، فقال : سر إلى الشّام فقد ولّيتكها ، قلت : ما هذا برأي ، معاوية ابن عمّ عثمان وعامله على الشام ، ولست آمن أن يضرب عنقي بعثمان ، وأدنى ما هو صانع أن يحبسني ، قال عليّ : ولم؟ قلت : لقرابتي منك ، وأنّ كلّ من حمل عليك حمل عليّ ، ولكن اكتب الى معاوية فمنّه وعده. فأبى عليّ وقال : والله لا كان هذا أبدا.
روى أبو عبيدة القاسم بن سلّام ، عمّن حدّثه ، عن أبي سنان العجليّ قال : قال ابن عبّاس لعليّ : ابعثني إلى معاوية ، فو الله لأفتلنّ له حبلا لا ينقطع وسطه ، قال : لست من مكرك ومكره في شيء ، ولا أعطيه إلّا السّيف ، حتّى يغلب الحقّ الباطل ، فقال ابن عبّاس : أو غير هذا؟ قال : كيف؟ قال : لأنه يطاع ولا يعصى ، وأنت عن قليل تعصى ولا تطاع ، قال : فلمّا جعل أهل العراق يختلفون على عليّ رضياللهعنه قال : لله درّ (٢)
__________________
(١) في المنتقى لابن الملا ، ع ، ح (وسابقته) بدل (مبايعته) التي في نسخة الدار.
(٢) (در) ساقطة من نسخة الدار ، فاستدركتها من المنتقى لابن الملا.