قالوا : فما جاء بك؟ قلت : جئتكم من عند أمير المؤمنين ، ومن عند أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولا أرى فيكم أحدا منهم ، ولأبلغنّكم ما قالوا ، ولأبلغنّهم ما تقولون : فما تنقمون من ابن عمّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم وصهره؟ فأقبل بعضهم على بعض ، فقالوا : لا تكلّموه فإنّ الله يقول : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) (١) وقال بعضهم : ما يمنعنا من كلامه ، ابن عمّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ويدعونا إلى كتاب الله ، قال : فقالوا : ننقم عليه ثلاث خلال : إحداهنّ أنّه حكّم الرّجال في دين الله ، وما للرّجال ولحكم الله ، والثانية : أنّه قاتل فلم يسب ولم يغنم ، فإن كان قد حلّ قتالهم فقد حلّ سبيهم ، وإلّا فلا ، والثالثة ، محا نفسه من (أمير المؤمنين) ، فإن لم يكن أمير المؤمنين ، فهو أمير المشركين. قلت : هل غير هذا؟ قالوا : حسبنا هذا.
قلت : أرأيتم إن خرجت لكم من كتاب الله وسنّة رسوله أراجعون أنتم؟ قالوا : وما يمنعنا ، قلت : أمّا قولكم إنّه حكّم الرّجال في أمر الله ، فإنّي سمعت الله يقول في كتابه : (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) وذلك في ثمن صيد أرنب أو نحوه قيمته ربع درهم فوّض الله الحكم فيه إلى الرجال ، ولو شاء أن يحكّم لحكّم. وقال : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ) (٢) الآية. أخرجت من هذه؟ قالوا : نعم.
قلت : وأمّا قولكم : قاتل فلم يسب ، فإنّه قاتل أمّكم ، لأنّ الله يقول : (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) (٣) فإن زعمتم أنّها ليست بأمّكم فقد كفرتم ، وإن زعمتم أنّها أمّكم فما حلّ سباؤها ، فأنتم بين ضلالتين ، أخرجت من هذه؟ قالوا : نعم.
__________________
(١) سورة الزخرف ، الآية ٥٨ سورة النساء ، الآية ٣٥.
(٢) سورة النساء ، الآية ٣٥.
(٣) سورة الأحزاب ، الآية ٦.