مزمّل (١) بالثياب ، فقلت : من هذا؟ قالوا : سعد بن عبادة مريض ، فجلسنا ، وقام خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم قال : أمّا بعد فنحن الأنصار وكتيبة الإيمان ، وأنتم معشر المهاجرين رهط منّا ، وقد دفّت إليكم دافّة (٢) يريدون أن يختزلونا (٣) من أصلنا ويحضنونا (٤) من الأمر.
قال عمر : فلمّا سكت أردت أن أتكلّم بمقالة قد كانت أعجبتني بين يدي أبي بكر : فقال أبو بكر : على رسلك ، وكنت أعرف منه الجدّ (٥) ، فكرهت أن أغضبه ، وهو كان خيرا منّي وأوفق وأوقر ، ثم تكلّم فو الله ما ترك كلمة أعجبتني إلّا قد قالها وأفضل منها حتّى سكت ، ثم قال : أمّا بعد : ما ذكرتم من خير فهو فيكم معشر الأنصار ، وأنتم أهله وأفضل منه ، ولن تعرف العرب هذا الأمر إلّا لهذا الحيّ من قريش ، هم أوسط العرب نسبا ودارا ، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ، فبايعوا أيّهما شئتم ، وأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجرّاح ، قال : فما كرهت شيئا ممّا قاله غيرها. كان والله أن أقدّم فتضرب عنقي لا يقرّبني ذلك إلى إثم أحبّ إليّ من أن أتأمّر على قوم فيهم أبو بكر إلا أن تتغيّر نفسي عند الموت ، فقال رجل من الأنصار (٦) : أنا جذيلها المحكّك (٧) وعذيقها المرجّب (٨) ، منّا أمير ومنكم أمير معشر
__________________
(١) مزّمّل : ملتفّ في كساء أو غيره.
(٢) الدّافّة : القوم يسيرون جماعة سيرا ليس بالشديد.
(٣) أي يقتطعونا. وفي البدء والتاريخ ٥ / ٦٥ «يحتازونا» ، وكذلك في سيرة ابن هشام ٤ / ٢٦١.
(٤) كذا في الأصل ، بمعنى يخرجونا. وفي حاشية الأصل ، والنسخة (ح) : «يمنعونا» وكذلك في النسخة (ع) ، وفي المنتقى لابن الملا «يمحصونا» وهو تصحيف. وفي تاريخ الطبري ٣ / ٢٠٥ «يغصبونا».
(٥) كذا في الأصل ، وفي سيرة ابن هشام ٤ / ٢٦١ ، وتاريخ الطبري ٣ / ٢٠٥ «الحدّ» بالحاء المهملة ، أي الحدّة.
(٦) هو الحباب بن المنذر الأنصاريّ.
(٧) الجذيل : تصغير جذل. وهو عود يكون في وسط مبرك الإبل تحتكّ به وتستريح إليه ، فيضرب به المثل في الرجل يشتفى برأيه.
(٨) العذيق : تصغير عذق ، وهو النخلة نفسها. والمرجّب : الّذي تبنى إلى جانبه دعامة. ترفده