رأيت هذا كلّه في بنيك ، فقال معاوية : عرفت أني لا أنجو منك (١).
قلت : توفي كعب قبل أن يستخلف معاوية ، وصدق كعب فيما نقله ، فإنّ معاوية بقي خليفة عشرين سنة ، لا ينازعه أحد الأمر في الأرض ، بخلاف خلافة عبد الملك بن مروان ، وأبي جعفر المنصور ، وهارون الرشيد ، وغيرهم ، فإنّهم كان لهم مخالف ، وخرج عن أمرهم بعض الممالك.
قلت : وكان يضرب المثل بحلم معاوية. وقد أفرد ابن أبي الدنيا ، وأبو بكر بن أبي عاصم ، تصنيفا في حلم معاوية.
قال ابن عون : كان الرجل يقول لمعاوية : والله لتستقيمنّ بنا يا معاوية أو لنقوّمنّك ، فيقول : بما ذا؟ فيقولون : بالخشب (٢) ، فيقول : إذا نستقيم (٣).
وعن قبيصة بن جابر قال : صحبت معاوية ، فما رأيت رجلا أثقل حلما ، ولا أبطأ جهلا ، ولا أبعد أناة منه (٤).
وقال جرير ، عن مغيرة قال : أرسل الحسن بن علي وعبد الله بن جعفر إلى معاوية يسألانه ، فبعث إليهما بمائة ألف ، فبلغ عليّا رضياللهعنه ، فقال لهما : ألا تستحيان ، رجل نطعن فيه غدوة وعشيّة ، تسألانه المال! قالا : لأنك حرمتنا وجاد لنا (٥).
وقال مالك : إنّ معاوية نتف الشّيب كذا وكذا سنة ، وكان يخرج إلى الصلاة ورداؤه يحمل ، فإذا دخل مصلّاه جعل عليه ، وذلك من الكبر.
وذكر غيره : أنّ معاوية أصابته اللقوة قبل أن يموت ، وكان اطّلع في بئر عاديّة (٦).
__________________
(١) أخرجه أحمد في المسند ٤ / ١٣٢ من أوله حتى قوله «وحسين بن علي» ، وهو في سنن أبي داود مطوّلا (٤١٣١) في اللباس.
(٢) الخشب : بالضم ، وهو السيف الصقيل. مفردة : خشيب.
(٣) تاريخ دمشق ١٦ / ٣٦٨ ب.
(٤) تاريخ دمشق ١٦ / ٣٦٧ أ.
(٥) تاريخ دمشق ١٦ / ٣٧٠ ب.
(٦) بئر عاديّة : قديمة ، لعلّها نسبت إلى عاد وهم قوم ثمود ، إذ كان العرب ينسبون كل قديم إلى عاد.