خليلك دعاك لأهل مكة ، وأنا نبيُّك ورسولك أدعوك لأهل المدينة ، اللهمَّ بارك لهم في مدِّهم وصاعهم وقليلهم وكثيرهم ، ضعفي ما باركت لأهل مكة ، اللهمَّ ارزقهم من هاهنا وهاهنا ـ وأشار إلى نواحي الأرض كلّها ـ اللهمَّ من أرادهم بسوء فأذبه كما يذوب الملح في الماء» (١). ثم التفت إلى الشيخين فقال : ما تقولان؟ قالا : حديث معروف مرويّ ، وقد سمعنا أيضا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : من أخاف أهل المدينة فقد أخاف ما بين هذين (٢). وأشار كلُّ واحد منهما إلى قلبه. رواه ابن أبي خيثمة في تاريخه عن الحزاميّ عنه.
قال ابن وهب : ثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال : لما توفِّي عمر ابن عبد العزيز ووليّ يزيد قال : سيروا بسيرة عمر بن عبد العزيز ، قال : فأتى بأربعين شيخا فشهدوا له : ما على الخلفاء حساب ولا عذاب. وقال روح بن عبادة : ثنا حجَّاج بن حسّان التَّيمي ، ثنا سليم بن بشير قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى يزيد بن عبد الملك حين احتضر : سلام عليك ، أمّا بعد فإنّي لا أرى إلّا ملمّا بي ، فالله ، الله ، في أمّة محمد فإنّك تدع الدنيا لمن لا يحمدك ، وتفضي إلى من لا يعذرك ، والسّلام.
قال الزُّبير بن بكّار : ثنا هارون الفروي ، حدّثني موسى بن جعفر بن أبي كثير ، وابن الماجشون قالا : لما مات عمر بن عبد العزيز قال يزيد : والله ما عمر بأحوج إلى الله منّي ، فأقام أربعين يوما يسير بسيرة عمر ، فقالت حبابة لخصيّ له ـ كان صاحب أمره : ويحك قرِّبني منه حيث يسمع كلامي ، ولك عشرة آلاف درهم ، ففعل ، فلما مرّ يزيد بها قالت :
بكيت الصّبا جهدا فمن شاء لامني |
|
ومن شاء آسى في البكاء وأسعدا |
__________________
(١) أخرجه البخاري ٤ / ٢٩٠ في البيوع ، باب : بركة صاع النبيّ صلىاللهعليهوسلم ومدّه. وفي : الأيمان والنذور باب : صاع المدينة ، ومدّ النبي صلىاللهعليهوسلم وبركته ، وفي الاعتصام ، باب ما ذكر النبي صلىاللهعليهوسلم وحضّ على اتفاق أهل العلم ، ومسلم رقم ١٣٦٨ في الحج ، باب فضل المدينة ، والموطأ ٢ / ٨٨٤ و ٨٨٥ في الجامع ، باب الدعاء للمدينة وأهلها.
(٢) له شاهد في مسند أحمد ٤ / ٥٥ و ٥٦ ، المعجم الكبير للطبراني ٧ / ١٦٩ رقم ٦٦٣١.