وإن كل حظ المسلمين اليوم من القرآن هو حظهم من مخلّفات الآباء والأجداد ، مما تضمه المتاحف ودور الآثار ، يزورونها لماما ، ويطرقونها حينا بعد حين .. قد تثير فيهم تلك الزّورة نشوة عارضة ، أو تبعث فيهم عزّة كاذبة ، ينفضونها عن نفوسهم قبل أن يجاوزوا المزارة ، كما ينفضون ما قد يكون علق على ثيابهم من التراب ، وهم يجوسون خلال الديار!
فنحن نلمّ بالقرآن إلماما ، ونلقاه حينا بعد حين ، وقد نذكر به فى تلك اللقاءات ، وهذه الإلمامات ، ما نذكر من مواعظ وعظات ، ثم لا نلبث حتى ننخلع عن هذه المشاعر قبل أن نضع المصحف من أيدينا ، لنلقى الحياة ونختلط بها ، كما نحن ، على الوجه الذي كنا نصحبها به ، ونعيش معها عليه!
فما يحدّث به القرآن شىء ، وحياتنا التي نحياها ونتقلب فيها شىء آخر ، بعيد كل البعد عن القرآن ، وما يحدثنا به القرآن!
إن المسلم ـ منا ـ يعيش فى هذه الحياة بشخصية «مزدوجة» ويلقاها بنفس منقسمة على نفسها ، ولهذا كان مسيره فيها مضطربا مختلجا ، تتماوج أبعاضه بين مشرق ومغرب ، وشمال وجنوب ، فهو يتحرك فى مكانه ، حركة متماوجة مضطربة ، فلا يتقدم خطوة إلى الأمام ، على كثرة هذا الضرب المضطرب فى الأرض!
والسبب فى هذا يرجع ـ فى تقديرنا ـ إلى «تميّع» العقيدة الدينية فى نفس المسلم ، وإلى اختلاط كثير من مسائلها فى تفكيره ، وعدم وضوح المعالم والحدود لكثير من أمور الدين عنده!
وذلك ـ فى تقديرنا أيضا ـ يرجع إلى أمور كثيرة .. منها :
أولا : هذه الخلافات السياسية والمذهبية التي وقعت بين المسلمين منذ أعقاب الخلافة الراشدة ، فانعكست آثار هذه الخلافات السياسية والمذهبية