فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٢٥٨)
____________________________________
التفسير : هنا نجد المثل لمن آمن بالله فكان الله وليّه ، يخرجه من الظلمات إلى النور ، ومن كفر فكان الطاغوت وليّه ، يخرجه من النور إلى الظلمات!
ومثل الأول نجده على أكمل صورة وأتمها ، فى إبراهيم عليهالسلام ، كما نجد مثل الثاني فى هذا الذي آتاه الله الملك ، وغمره بالنعم ، فاستقبلها بالجحود والكفران ، والإغراق فى البهت والضلال .. ولم يذكر القرآن اسم هذا الإنسان المتمرد على الله ، ولم يدل عليه ، لأنه ساقط من حساب الإنسانية ، إذ باع إنسانيته للشيطان ، وأسلمها للطاغوت .. ثم إنه لا ضرورة لذكره ، حتى لا يتعرف عليه أحد ، فتصيبه عدواه ولو من بعيد ، كما تصيب الرائحة الخبيثة بالأذى كلّ من يمر به حامل الجيف .. ثم لمن أراد أن يعرف وجه هذا الشر ، وحامل هذا المنكر فإن التاريخ يقول إنه «النمرود» ملك كنعان .. وكم فى الناس من نمرود؟
والذي تعرضه الآية الكريمة هنا ، وتحرص على كشفه وتجليته ، وهو هذا الصّدام الفكرى بين منطق الحق وسفاهة الباطل ، بين نور الإيمان وهداه ، وظلام الشرك وضلاله!
يقول الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) فهذا الإنسان الذي فضل الله عليه وأوسع له فى فضله ، ومكّن له فى الأرض ، قد غرّه ما بيده من سلطان ، فكفر بأنعم الله ، ثم لجّ به الكفر فحادّ الله ورسوله ، وادعى لنفسه الألوهية ، وقال قولة فرعون : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى)!