فلما جاءه نبىّ الله ، إبراهيم ، يدعوه إلى الله ، أنكر هذه الدعوة ، وجحد أن يكون فى الأرض إله معه ، وجعل يلقى إلى إبراهيم بالحجج الدالة على ألوهيته ، وأهليته لتلك الألوهية ، بما فى يده من سلطان بتصرف به كيف يشاء .. وكثرت بينه وبين إبراهيم المحاجّة والمناظرة .. وتخير القرآن الكريم من هذه المواقف مشهدين ، يلخصان القضية كلها ، ويضبطان محتواها ومضمونها. (قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ)!
هذا هو ربّ إبراهيم ، الذي يدين له ، ويدعو إليه .. هو الذي بيده الحياة والموت ، وهو الّذى أمات وأحيا .. فذلك أمر لا يشاركه فيه أحد ، ولا يدّعيه لنفسه مخلوق ، إلا أن يركب الحماقة والسّفه.
وقد ركب هذا الجهول الحماقة والسفه وانطلق بلا عنان .. (قالَ : أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ!!) هكذا يقولها بملء فيه! ولم يذكر من أين هو جاء ، ولا إلى أين هو يصير؟ (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً)؟ (٦٧ : مريم).
ولم ير إبراهيم ـ إزاء هذا السّفه الوقاح ـ أن يقف عند هذا الجواب ، وأن يكشف باطل هذا الأحمق الجهول .. فقد يذهب بالرجل الحمق والجهل فيقول لإبراهيم : ألا تصدق ما أقول؟ أتريد شاهدا؟ أنت نفسك أنا الذي أحييه ، لأنى لا أريد قتلك! وأنا أميتك لو أردت! فهل تريد مصداق ذلك؟ وقد يفعلها الرجل ولا معقّب عليه!!
وتحاشى إبراهيم أن يدخل مع النمرود فى هذا الجدل ، وأن يمد له فى حبال السفسطة ، بل جاء إليه إبراهيم بما يخرسه ويفحمه!
(قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ).