أحصروا فى سبيل الله والحذف هنا أبلغ من الذكر ، حيث يشعر بأنّ أمر هؤلاء الفقراء فى غنىّ عن أن يحرّض عليه ، فحقّهم على المحسنين واجب لا يحتاج إلى بيان.
وقوله تعالى : (أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) أي حبسوا عن الكسب ، بسبب اشتغالهم بما هو أهم ، وهو أنهم يعملون فى سبيل الله ، كالمجاهدين أو الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم لإيمانهم بالله ، ولم تتهيأ لهم أسباب الرزق ، أو قعد بهم المرض أو الكبر ، وهم يعملون فى سبيل الله .. أو غيرهم ممن افتقروا وهم قائمون فى سبيل الله .. (لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ).
وقوله : (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) أي أنّ هؤلاء الفقراء ليسوا من الطفيليين الذين يعيشون عالة على كسب غيرهم ، وإنما هم أزهد الناس فيما فى يد الناس ، وقد بذلوا أنفسهم وخرجوا عن ديارهم وأموالهم فى سبيل المبدأ والعقيدة ، ومن أجل هذا فهم ـ على فقرهم وحاجتهم ـ متجملون بالتعفف والقناعة والصبر ، حتى ليحسبهم من لا نفاذ لبصره فى حقائق الأمور ، أنهم أغنياء لا حاجة بهم إلى شىء من مال أو متاع ، وقد يكون أحدهم طاويا لأيام لم يذق طعاما.
ولكن البصير الذي يتفرس فى وجوههم ، فينفذ إلى دخيلة أمرهم يجد منهم ما يخفيه تعففهم وتجملهم من ضرّ الجوع ، وأذى المسغبة ..
ومن هنا كان واجبا على المحسن أن يتحسّس حاجة المحتاجين ، وأن يتعرف على ذوى الحاجة المتسترين الذي يمنعهم الحياء والتعفف عن أن يسألوا .. فهؤلاء هم أحق الناس بالعون والإحسان!.
وقوله تعالى : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) هو سمة من سمات المتعففين من ذوى الحاجة ، وأنهم إذا سألوا سألوا فى رفق ، وعلى استحياء .. وذلك