لم يقع العطف هنا بين الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية ، والذين يأكلون الربا ـ على غير المألوف ـ وذلك للبعد البعيد الذي بين هؤلاء وأولئك ، حيث لا يمكن أن يلتقيا على أي وجه من الوجوه .. فهما أكثر من متناقضين. وأبعد من متضادّين ، وفى هذا تشنيع على الرّبا وآكليه ، وعلى عزلهم عن المجتمع الإنسانى كلّه ، حتى مجتمع الكافرين والمنافقين ، لأن كلا من المنافق والكافر يأكل نفسه على حين أن آكل الربا يأكل نفسه ويأكل ضحاياه المتعاملين معه!
وقوله تعالى : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا) الرّبا فى الأصل الزيادة والنماء ، وفى عملية الرّبا زيادة فى مال المرابى ونماء له ، ثم أطلق على عملية الرّبا المعروفة ، شاملا جميع أطرافها ؛ المال المتعامل به ، وصاحب المال ، وآخذه.
فالذين يأكلون الربا هما الطرفان المتعاملان به .. المقرض ، والمقترض ، حيث لا تتم العملية إلا بهما معا .. والأظهر هنا أن المراد بهم ، هم المقترضون حيث يأخذون المال «الربا» ويأكلونه ، أي يستهلكونه فيما اقترضوا.
وفى قوله تعالى : (لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ).
أكثر المفسّرون من التأويل والتخريج لهذا المقطع من الآية الكريمة ، واستهلكوا كثيرا من الجهد فى البحث عن معنى التخبط ، والشيطان ، والمسّ ، وفى الصورة المركبة من هذه الجزئيات ، وكلهم ناظر إلى أن المراد بآكل الربا هو المقرض دون المقترض.
غير أن جميع هذه الآراء ، وتلك التخريجات لم نجد منها ما نطمئن إليه ، ونقنع به.
وقد أوردنا النظر إلى الآية الكريمة على وجه غير الوجه الذي التفتوا إليه ، ووقفوا عنده ، فظهر لنا منها ما وجدنا له مفهوما ، وفيه مقنعا!