فى هذه الأجواء العاصفة ، التي تشتمل على الناس ، وتستولى على عقولهم وقلوبهم .. فلا ثمن لضمير ـ حيث لا ضمير ـ ولا حساب لشرف ، حيث الموت راصد يخطف النفوس!
(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ) .. ففتش وراء كلّ شر يهبّ على المجتمعات الإنسانية من أي أفق ، تجد أن مطلعه اليهود .. قديما وحديثا .. اليوم ، وما بعد اليوم ..
ونكاد نقف عند قوله تعالى : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ) .. أما (الَّذِينَ أَشْرَكُوا) فهم من صنع اليهود ، إذ هم الذين أفسدوا على كثير من المؤمنين دينهم ، وساقوهم إلى الشرك ، كما أنهم ـ وقد سبقوا إلى الإيمان بالله ، بما أرسل الله إليهم من رسل ، وما أنزل عليهم من كتب ـ لم يفتحوا للمشركين طريقا إلى الإيمان بالله ، ولم يدعوهم إليه ، بل ضنّوا بما فى أيديهم ، وحجبوه عن كل عين .. بل وأكثر من هذا ، فإنهم زيّنوا الشرك للمشركين ، ويسّروا لهم سبله ، بما أذاعوا فى المجتمعات الإنسانية من مفاسد وشرور.
وقوله تعالى : (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى) هو وجه مشرق من وجوه الدّين وما يفعله فى المتدينين ، يقابل هذا الوجه الكريه الذي بدا من بعض أصحاب الدين ، وهم اليهود .. ففى دعوة المسيح التي يدين بها النصارى دعوة كريمة إلى التواضع ، والتسامح ، والإخاء .. مع الإنسانية كلها ، بل والتآلف مع الوجود كلّه ، ناطقه وصامته!
وإذا كانت المسيحية اليوم قد تغيّر وجهها عند المتدينين بها ، فذلك من جناية اليهود عليها ، وعلى المتدينين بها.
والنصرانىّ المتمسك بنصرانيته ، الموالي لعقيدته. هو إنسان وديع رقيق ، يتأسّى بالسيد المسيح فى وداعته ، ورقته ، ورحمته ، وإنسانيته.