قوله تعالى : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) .. فى الآية وعد كريم من الله سبحانه وتعالى بأنه يقبل التوبة عن عباده. فيلقى التائب منهم بالقبول والمغفرة ، ويتقبل ما يقدّم من صدقة .. وهذا ينقض ما قيل فى سبب نزول الآية : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً). كما أشرنا إلى ذلك من قبل .. فإن من قبل الله توبته ، لم يردّ صدقته ..
والاستفهام هنا تقريرى ، وضمير الفصل هو توكيد لاختصاص الله سبحانه وتعالى وحده بقبول التوبة ، ومنح العفو والغفران .. وليس ذلك لغير الله ..
ـ وفى قوله تعالى (يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) ما يسأل عنه ، وهو :
لم عدّى الفعل «يقبل» بحرف الجرّ «عن» مع أن الاستعمال اللغوي لهذا الفعل لم يجىء متعديا إلّا بحرف الجرّ «من» .. كما جاء ذلك فى الاستعمال القرآنى لهذا الفعل فى قوله تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) وفى قوله سبحانه : (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) .. فلم عدّى الفعل هنا بحرف الجر «عن»؟
الجواب ـ والله أعلم ـ أن التوبة التي يقبلها الله من عباده تضع عنهم ما حمّلوا به من أوزار ، وما أثقل كاهلهم من ذنوب ، فكان فى قبول التوبة منهم رفع لهذه الآثام عنهم ، ولهذا ضمن الفعل «يقبل» معنى الفعل يضع ، أو يسقط .. ونحو هذا ، كما نظر إلى التوبة على أنها شىء محمّل بالذنوب والآثام لأن التوبة لا تكون إلا عن ذنب وقع ، أو إثم اقترف .. فكان قوله تعالى :