وحين أتم بنو غنم بناء هذا المسجد إلى جوار مسجد قباء ، جاءوا إلى النبيصلىاللهعليهوسلم ، يدعونه أن يصلى فى مسجدهم هذا ، وكان النبىّ يتهيأ لغزوة تبوك ، فقال لهم : «إنى على جناح سفر ، فلو قدمنا أتيناكم ، إن شاء الله ، فصلينا لكم فيه» .. فلما انصرف الرسول من تبوك ، نزلت عليه هذه الآية وهو فى طريق العودة إلى المدينة ..
وقد فضح الله فى هذه الآية نفاق هؤلاء المنافقين ، وكشف عن تدبيرهم السيّء .. فإنهم ما بنوا هذا المسجد ليكون بيتا من بيوت الله ، وإنما بنوه مضارّة بمسجد قباء ، حتى لا يعمر بالمصلين ، وليكون مأوى يأوى إليه المنافقون ، ويدارون نفاقهم بالاجتماع فيه ، والاستظلال بظلّه ، ثم ليفرقوا بين المؤمنين ، حيث لا تجتمع جماعتهم فى مكان واحد ، بل يتوزعهم المسجدان المتجاوران ، فيقلّ بذلك جمعهم ، وتصغر فى الأعين جماعتهم ، الأمر الذي يخالف ما يدعو إليه الإسلام من جمع المسلمين فى صلاة الجماعة والجمعة والعيدين ، لتتوحد مشاعرهم ، وتمتلىء العيون مهابة وإجلالا لهم .. ثم إنهم بنوا هذا المسجد ليكون راية منصوبة لأهل النفاق والضلال ، حيث لا يخطئهم أن يجدوا فيه ـ فى أي وقت ـ من هم على شاكلتهم فى نفاقهم وضلالهم ..
ـ قوله تعالى : (وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) .. المنافقون هكذا دائما يتخذون أيمانهم جنّة يحتمون بها من نظرات الاتهام التي يرمون بها ، أو يقدّرون أنهم يرمون بها من كل عين تنظر إليهم .. وهؤلاء الذين فضحهم الله وأخزاهم بما كشف من سوء تدبيرهم ، يحلفون للرسول وللمؤمنين أنهم لا يريدون بهذا المسجد لذى بنوه إلا ما يراد من بناء المساجد وعبادة الله فيها .. وقد كذبهم الله سبحانه بقوله : (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) .. وصدق الله العظيم ، وكذب المنافقون ، ولعنوا ..