والبادية ، وما فيها من جفاف ، وجدب وقسوة ، قد طبعت الكائنات فيها ـ وبخاصة الإنسان ـ بطابعها الجاف الجديب القاسي .. وفى المثل : «من بدا جفا».
ومن هنا كانت الطبيعة الحادّة فى نفس البدوىّ ، ذاهبة به مذهب الغلوّ والتطرف ..
فالمنافقون من أهل البادية على نفاق أشد وأسوأ من نفاق سكان الحضر ..
وكذلك كفرهم .. هو كفر غليظ كثيف مغلق ، لا تطلع عليه ضوءة من الحق أبدا ، وإنهم لبعدهم عن مواقع الهدى من رسول الله ، ومن المؤمنين ، قد فاتهم خير كثير ، إذ لم يعلموا ما بين يدى الله ؛ من دين الله ، ومن شريعة الله .. ومن علم منهم شيئا من هذا ، لم يعلمه علم تحقق ويقين ..
وفى قوله تعالى : (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) دعوة لهؤلاء الأعراب أن ينزعوا لباس البداوة ، وأن يخرجوا من حياتهم تلك ، إلى حياة الحضر ، وأن يقتربوا من مواطن العلم والمعرفة ، حيث يلقون رسول الله ، ويأخذون عنه ، ويخالطون المؤمنين ، ويحذون حذوهم .. فالله سبحانه «عليم حكيم» ولا يعرف الطريق إلى الله ، ويحسن التعامل معه ، إلا أهل العلم والحكمة ..
فالإسلام إذ يشنع على البداوة ، وإذ يصم أهلها بالنفاق الكريه ، والكفر الغليظ ، والجهل الفاضح ـ الإسلام بهذا يدعو إلى العمران ، ويحرض على المدنية ، ويبغض إلى الناس العزلة والوحشة وقبول الحياة ، كما هى ، من غير معالجة لأشيائها ، ووضع بصمة الإنسان العالم الحكيم عليها ..
قوله تعالى : (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ