(وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ).
وفى كلمة «جاء» مع حرف الواو قبلها ، ما يشعر بطول الزمن وامتداده ، بين فراق يوسف لأهله ، واتجاههم إليه فى هذه الرحلة ، كما يشعر بطول الرحلة التي قطعوها من كنعان إلى مصر ..
(فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) .. لقد عرفهم ولم يعرفوه ، لأنه كان صغيرا يوم ألقوا به فى غيابة الجبّ .. وقد كبر ، فتغيرت ملامحه ، كما أنّه كان فى حال من الأبهة والسلطان ، وما يحفّ به من خدم وحرس ، وما يتزيّا به من حلل ، وما يتوّج به رأسه من حلى وجواهر ـ كل ذلك كان مما يخفى على أقرب المقربين إليه من أهله أمره ، حتى لو كان عهده به فى كنعان يوما أو بعض يوم! فكيف وقد مضت سنون؟ وكيف وليس فى تصور إخوته ولا فى خيالهم أن يكون يوسف فى مصر ، أو أن يكون له هذا السلطان الذي كان عهد الناس به يومذاك ، إنه ميراث ، ينتقل من الآباء إلى الأبناء ..!
(وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ).
ولمّا جهزهم بجهازهم : أي حين أعطاهم الكيل الذي يكال لهم ببضاعتهم التي معهم.
خير المنزلين : أي خير من يكرم النازلين به ، ويحفظهم فى أنفسهم وأموالهم ، بما يوفر لهم من أسباب الأمن والراحة.
وليس هذا المطلب الذي طلبه يوسف من إخوته قد وقع ابتداء ، بل لا بد أن يكون قد جرت بينه وبينهم أحاديث ، أراهم منها أنه يجهلهم ، كى يتمّ التدبير الذي دبره ، وهو أن يحضروا أخاهم من أبيهم ، وقد عرف من هذه الأحاديث