سمعوا منه هذا القول ، من أهله وجيرانه .. ولم يكن فيهم بنوه ، الذين كانوا يومئذ ما زالوا فى طريقهم إليه من مصر ..
والمراد بالضلال القديم هنا ، ما عرف منه من حبّ شديد ليوسف ، وتعلق بالغ به ، حتى لقد حسب هذا ضلالا عن طريق القصد والاعتدال فى الحبّ .. وفى هذا يقول الله تعالى على لسان أبناء يعقوب : (إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) .. فإلى هذا الضلال يشير أولئك الذين قالوا له : (إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ)
(فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)
ولقد صدّق الله ـ سبحانه ـ ظنون يعقوب ، فوقع ما توقعه ، وجاء البشير بريح يوسف محمّلة فى قميصه ، فلما ألقى القميص على وجهه ارتدّ بصيرا ، كما تنبأ بذلك يوسف.
وفى غمرة هذا الفرح الكبير ، لم ينس يعقوب أن يردّ اعتباره عند هؤلاء الذين فنّدوه ورموه بالضلال .. فقال لائما مؤنبا : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)! أي إنّى كنت على رجاء من رحمة ربّى ، وعلى طمع فى فضله .. ولهذا لم أيأس من روحه ، ولم ينقطع رجائى فى فضله ، وأن ألتقى بيوسف الذي حجبته الأقدار عنّى خلال هذا الزمن الطويل؟
ـ وفى قوله : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) إشارة إلى ما سبق أن قاله لهم حين قالوا له : (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ) فكان ردّه عليهم : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) ..