(قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ* قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
هو نفس الموقف الذي وقفوه بين يدى يوسف ، حين قالوا له : (تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ) .. إنه الاعتراف بالذنب ، وطلب الصفح والمغفرة ..
ولقد لقيهم يوسف بالصفح والمغفرة ، من غير مهل ولا إبطاء ، فقال : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ .. يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)
أما أبوهم يعقوب ، فإنه لم يلقهم بهذا الصفح وتلك المغفرة من فوره ، بل جعل ذلك وعدا مستقبلا ، يجىء على تراخ من الزمن .. (قالَ : سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) .. ولم يقل سأستغفر لكم ربى!
وقد أخذ بعض العلماء من هذا الاختلاف بين موقف يوسف من إخوته ، وموقف أبيه يعقوب منهم ـ أخذ من هذا شاهدا على أن الشباب أسمح نفسا بما فى أيديهم ، من الشيوخ الذين يغلب عليهم الحرص على كل ما عندهم ، ليكون لهم من ذلك قوة تمسك عليهم البقية الباقية من قواهم الواهية ..
والذي نذهب إليه لتعليل هذا الاختلاف فى الموقفين ، أن يعقوب ، فى هذا الموقف أب ، وهو بهذا يملك من أبنائه ما لا يملكه الأخ من إخوته .. إنه يملك التأنيب ، والتأديب .. أما الأخ فلا يملك من إخوته هذا الذي يملكه منهم أبوهم ..
ومن أجل هذا فقد استعمل يعقوب حقّه فى تأنيب بنيه وتأديبهم ، فأمسك عنهم صفحه ومغفرته ، إلى حين ، ولم ير من الحكمة أن يجيبهم إلى طلبهم فى الحال. وأن يخلى مشاعرهم من القلق والهمّ. بل رأى أن يريهم أن