النبي ، ويهيج خواطر الألم والإزعاج فى نفسه. قبل أن يصل إليهم .. أضعاف ما كانوا يجدون من ألم وإزعاج!
ذلك أنه ـ وهو النبي ـ يألم لآلام الناس جميعا ، ويود لو حملها عنهم ، أو رمى بها فى مكان سحيق .. فكيف بما يقع فى نفسه من هذا ، للآلام التي يراها فى أهله وذوى قرابته القائمين على نصرته؟ ثم هو من جهة أخرى ، يرى أن ما نزل بأهله من آلام وشدائد ، خلال تلك المحنة ، إنما كان بسببه هو ، وأن ذلك الذي احتملوه من أجله ، لم يكن بسبب العقيدة والدّين ، وإنما كان من أجل القرابة والدم. ولو كان من أجل العقيدة والدين ، لهان الأمر ، ولكان على أصحاب العقيدة أن يؤدّوا ضريبة الدفاع عن عقيدتهم ، لقاء الثواب العظيم الذي ينتظرهم من رب العالمين!
إن الآلام النفسية والروحية ، بل والجسدية ، التي احتملها النبي حلال تلك المحنة التي عاش فيها أهله .. كانت من أقسى ما لقى النبي فى طريق دعوته من آلام .. إنه حمل آلام أهله كلها ، وإن ذهب كل منهم بنصيبه منها .. فمن أجل النبىّ احتملوا هذه التجربة القاسية ، وفى سبيل حمايته ، والدفاع عنه ، واجهوا هذه القطيعة المرة ، واحتملوا عبء هذا الحصار المحكم الظالم. ثلاث سنين!
رحلة فى العالم الأرضى :
وحين بلغ الأمر من الشدة والضيق مداه فى نفس النبي ، وأصبح جو مكة ثقيلا خانقا .. أراد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ أن يلتمس له متنفسا خارج مكة ، لعله يجد أعوانا على الحق ، وأنصارا للخير ، يستمعون له ، ويستجيبون لدعوته.
كان لا بد أن يلتمس النبي لنفسه ولدعوته مجالا آخر خارج مكة ، بعد أن