لقى هو وأهله الأدنون ما لقوا من هذا البلاء الشديد ، أثناء الحصار الذي ضربته عليهم قريش نحو ثلاث سنين ..
ومما ضاعف من وقع الآلام فى نفس الرسول ، أن سقط فى ذلك الحين الجناحان اللذان كانا يرفّان عليه رحمة وحنانا .. ذلك أنه ما كادت تنتهى محنة الحصار ، ويفسد تدبير قريش ، وتنقض صحيفتها التي أبرم فيها هذا العقد الذي عقدته بينها لمقاطعة بنى هاشم ، بعد أن سلّط الله عليها الأرضة فأكلتها جميعا ، إلا ما ورد فيها من ذكر اسم الله عزوجل ـ ما كادت تنتهى هذه المحنة. حتى مات عمه أبو طالب ، بعد خروجه بقومه من الشّعب بستة أشهر .. ثم لحقت به الزوجة البرّة الرحيمة السيدة خديجة ، بعد موته بثلاثة أيام!!
فانظر كيف ابتلى النبي الكريم هذا الابتلاء فى عمه وفى زوجه ، وكيف تفرغ يده من كلّ قوة مادية على هذه الأرض كانت تقف إلى جانبه ، وتشد أزره؟ ومتى كان ذلك؟
إنه كان فى أحرج مواقف الدعوة ، وحين بلغ الأمر من الشدة والشقاق مداه ، بين قريش ، وبين النبي.
إن ذلك كله من ألوان الشدائد والمحن التي مرت بالرسول خلال تلك السنوات العشر التي قضاها النبي الكريم بين قومه ، يغادبهم ، ويراوحهم بآيات الله وكلماته ، فلا يسمع منهم إلا ما يسوء ، ولا يلقى منهم إلا ما يكره ـ نقول إن ذلك كله كان تربية وإعدادا للجولة التالية من الدعوة ، واستعدادا لاستقبال الطور الجديد من أطوارها ـ حيث ستشهد الأيام التالية أحداثا جساما ، وتطورات خطيرة فى حياة هذا الدين الجديد. فسيلتقى النبي بوجوه كثيرة من قبائل مختلفة ، وسيسمع أحاديث متباينة ، وسيتلقّى أجوبة مختلفة لما يلقى على الأسماع من آيات الله ، وسيهجر النبي موطنه ، ويهاجر إلى موطن