«غير أن عافيتك أوسع لى ..
«أعوذ بنور وجهك ، الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، أن يحلّ علىّ غضبك ، أو أن ينزل بي سخطك.
«لك العتبى حتى ترضى (١)
«ولا حول ولا قوّة إلا بك ..
بهذه الكلمات المشحونة بالإيمان الوثيق بالله ، المخلّقة بأنفاس النبوّة الطاهرة ، اتجه الرسول إلى ربّه .. متضرعا ، متوجعا ، طالبا رضا ربّه ورحمته ، فى صبر وحمد ، على السّرّاء والضرّاء!
مدد غير منتظر :
وفى طريق الرسول الكريم من الطائف إلى مكة ، نزل منزلا بمكان يسمّى «نخلة» وقضى فيه ليلته ، ثم قام فى جوف الليل يصلّى ، ويتهجّد بكلمات ربّه ، فصرف إليه نفر من الجنّ ، فاستمعوا له ، وباتوا الليل معه ، دون أن يشعر بهم! ..
وفى الصّباح ، وقبل أن يزابل النبىّ مكانه الذي بات فيه ، تلقّى خبر السّماء فى قوله تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ، فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ..) .. (الآيات : ٢٩ ـ ٣٢) من سورة الأحقاف.
فكان هذا عزء كريما للرسول الكريم ، ومواساة رقيقة مسّت مشاعر النبىّ ، وذهبت بكثير مما خالطها من الألم والحزن ، فشاع فى كيانه الرّضا والاطمئنان .. إنه ليس وحده ، وإن صوت السماء متصل به ، وإن جندا
__________________
(١) العتبى : ما يزيل آثار الأمر الذي استوجب العتاب أو اللوم.